جوانب من " اثنوغرافية " قبيلة لقلال ..

بادئ ذي بدء لابد من الإشارة إلى أننا من غير المتخصصين في القضايا التاريخية ، ولكننا ننشغل – لدواعي متنوعة ليس هنا مجال عرضها - ببعض الاهتمامات المتعلقة بجزئيات التاريخ السياسي والثقافي التواصلي لمنطقة الصحراء الإفريقية الكبرى ، وما تحتويه من تشكيلات وبُنىَ اجتماعـسياسية (سوسيوبوليتيكية) تحتاج البحث العلمي المضني ، الذي من خصائصه السعي إلى أن يصل ولا يفصل، ويوحد ولا يفرق ويحصر ولا يبعثر كافة العلائق التي نسجتها أيام التاريخ الحضاري المشترك ، الذي صنعه بعض العرب منذ "وفدوا" فاتحين ، وساهم في صنعه السكان الأصليون للقارة السمراء  بما فيهم من يوصفون ب "الزنوج" الأفارقة أيضا منذ آمنوا بالإسلام دينا ورافدا لحضارتهم التاريخية وتراثهم الإثني الخاص.

ولعل جزئية الجزئيات التي تعرض هنا في هذه المعالجة " جوانب من اثنوغرافية قبيلة لقلال"* هي في صميم تلك الاهتمامات، وانعكاس يؤمل أن يكون أمينا وصادقا لها مع بعده عن ادعاء الكمال المطلق الذي هو لله سبحانه و تعالى وحده . إذ من دواعي البحث في هذه المسألة تحديدًا واختصارًا لا حصرًا:

1- الإسهام في عرض جوانب – على محدوديتها، ولكنها غنية في ذاتها ومثالها- من التاريخ الاجتماعي و الثقافي الطبيعي لمنطقة الصحراء الكبرى ، خصوصا أن التشكيل الاجتماعي " القبائل" لعب تاريخيا ولا يزال- رغم أنف عصر الدولة الوطنية الآفل ، وعصر الفضاءات الزاحف- دورا محوريا لافتا يصلح للاشتغال المعرفي دراسة وبحثا وتحليلا ونقدا ، وهو ما يعدُّ نموذجا له استعراض إحدى القبائل العربية أو الإفريقية المنتمية للمنطقة.

2- تميّز التكوين الاجتماعي وشموليته لدى كثير من القبائل في الصحراء الكبرى ، حيث تلتقي العروبة بمعناها " الجينالوجي"(السلالي مثلا)، و الزنجية الإفريقية كرافد اجتماعي تاريخي منذ دخول الإسلام إلى القارة السمراء.

3- اتصاف قبيلة " لقلال" بأنها أحد النماذج " الدالة" على التواصل الحضاري بين العرب الصميميين " الأقحاح " و المجموعات الأفريقية( خصوصا في  بعض المنتسبين لتجمع قبلي زنجي يسمي " السوننكي" وينتشر في عموم منطقة غرب إفريقيا على وجه التحديد).

4- التشابه ( إن لم نقل التطابق) الانتربولوجي بين الأدوار الاجتماعية للجزء العربي لهذه القبيلة ، وبعض منحدريها الذين اعتبر البعض أنهم  " تأفرقوا"! وهي وضعية موجودة لدى قبائل موريتانية أخرى معروفة ، و خصوصا في مناطق من الترارزة في تواصلها الحضاري مع الشعوب و القبائل الإفريقية في ماوراء نهر صنهاجة ( نهر السنغال).و يشير بعض المؤرخين في إطار التفاعل بين العرب و الأفارقة أن قبائل عديدة انتقلت بين الانتماءين العربي و الإفريقي عبر مراحل ناريخية معقدة ، و ليس مناسبا في مقال متواضع بسط الحديث في موضوع متشعب ومتخصص !

إن تلك الأسباب ، وغيرها ، هي التي تظهر دواعي اختيار موضوع ربما يكون "غير وثوقي" بالمعني الفلسفي والتاريخي للكلمة.

ولكن هذا هو دأب البحث الذي يدعي التوشح بالعلمية ، وبالتالي لابد أن يتصف بالأصالة بقدر ما يراهن على التميّز دون أن يغرق في التجّني على الموضوعية كلما كان ذلك ممكنا ومتاحا في ضوء شح المصادر و المراجع لدى من هو غير متخصص و يكتب أغلب ذلك مما تعيه الذاكرة وتختزنه داخلها و ربما يداخله السهو و النسيان و الغفلة .

وقد تساهم هذه المعالجة في إضافة معلومة أو بالأحرى " تحديثها" لدى البعض إن لم يكن كثرة ، فهو قلة معتبرة ، لاشك أنها لن تنزعج من التذكير ، خصوصا أن الذكرى تنفع المؤمنين دائما.

إن مفهوم " لقلال" مصدر مشتق من الكلمة السوننكية " قُلي" ، وهي صفة تعني اللون الأبيض حسب البعض ، وهناك من يرفض ذلك و يقدم تفسيرات أخرى لتأصيل الإسم  و يعتبره منتشرا و معروفا في بعض الدول و الأماكن حتى خارج إفريقيا ،  وليس هنا مجال عرض كل تلك الجهود التفسيرية و اختلافاتها و الترجيح بينها ، و  ربما يقوم بذلك  من هو أكثر تخصصا في الموضوع مني . 
عموما ،  فتؤكد المصادر التاريخية الشفوية – ولكن المتواترة- أن الجد الأعلى لقبيلة لقلال هو المسمّى "محمد قُلّي"  ، و البعض يبدل القاف غينا ( محمد غلي  و بالتالي الأغلال بدل الأقلال )، الذي تم وصفه بتلك الصفة تمييزا له بلونه المائل للبياض في محيط تعمّه السّمرة والسواد ، جاء برفقة والده الرجل العلامة و المجاهد و القائد و الفقيه"ابراهيم" الذي قدم في تاريخ غير معروف على وجه الدقة واليقين إلى مدينة " زارة" ( الواقعة حاليا في الجانب المالي من الحدود مع موريتانيا) ، ولأن إبراهيم ذلك كان معلما للعلوم الشرعية الإسلامية  - و هناك من يعتبره جاء من العراق فاتحا على رأس جيش إسلامي يُجهَل تاريخ و مناسبة توغله الى تلك المنطقة - فقد رغب رئيس القرية بتزويجه من ابنته التي أنجبت له ( أحمد ، وقيل : محمود ،  وقيل  غير ذلك ، على اختلاف بين الرواة في ذلك  وهو الجد الكبير لعائئلات  تنتمى لبعض فرع من  السوننكي يتسمّى باللقب  " سِلاّ" و هو لقب مشهور لمجموعات  قديمة تاريخيا قبل ذلك  في المنطقة  ، وقد تزنجت بعض أسرهم برغم جذورهم العربية السلالية ، كما يحرص بعضهم على إثبات نسبه العربي و ربطه بمشجرات أنساب عربية ، و هنا يمكن فتح قوس أن بعض المؤرخين و الباحثين ( الشيخ انتا جوب مثلا في بعض أبحاثه)  ربط بين بعض القبائل الإفريقية .و قبائل صعيد مصر ، كما أن باحثين آخرين يرون الأصل العربي لكثير من القبائل الإفريقية ( كالفلان ، و الهاوسا ، و جرمه..الخ) ، و هذا مبحث متاح لمن يريد التوسع فيهو الإطلاع عليه و هنا يغلق القوس!

ويتفق أغلب النسابة المحليين ( كالعلامة الفقيه النسابة الشيخ سيدي عبد الله الحاج إبراهيم العلوي ، مثلا لا حصرا لوجود كثير من المؤرخين الذين يذهبون نفس المذهب ) أن محمد قلي بن إبراهيم منحدر من نسب أبي بكر الصديق الخليفة الراشدي الأول .
 وقد بدأت قبيلة لقلال – في الأصل- من الحافة الشرقية لولاية تكانت الموريتانية وتحديدا في مثلث شنقيط – تجكجة- تيشيت. حسب رأي الباحث و المستشرق الفرنسي "بول مارتي" في مؤلفه القبائل البيضانية في الحوض و الساحل الموريتاني ،  الذي تمت الافادة منه كثيرا في مواطن مختلفة من هذا البحث ، نظرا لصدور ترجمته العربية في طرابلس عاصمة ليبيا  عن طريق جمعية الدعوة الاسلامية العالمية و ترجمه السفير و الكاتب و الأديب الأستاذ محمد محمود ودادي الذي أهدي لى نسخة منه فور صدوره بعثها لي عن طريق الأخ الصديق و الاستاذ الدكتور البكاي ولد عبد المالك ، حيث كنا نعمل سويا في التدريس في جامعة المرقب بالخمس ( جامعة ناصر الأممية سابقا).

وسرعان ما انتشرت قبيلة لقلال بعد ذلك في توسع كبير حتى بلغت جذورها وامتداداتها عموم موريتانيا و جوارها  ، فتواجدت منها فروع في كل من الجزائر وليبيا ومالي والسنغال والنيجر والسودان والسعودية والأردن وتركيا ..الخ.

وقد كان العلامة و الولي الصالح و الفقيه  محمد قلي متزوجا- منذ جاء إلى شنقيط الأولي التي اندرست بعد ذلك بفعل عوامل المناخ – من السيدة عائشة بنت يحي ول ابنو العلوية ، بحسب بعض الروايات الشفوية مع وجود روايات غيرها  تذهب مذاهب أخرى في تسمية العلوية التي تزوجها الجد محمد قلي بن ابراهيم ، و المؤكد أنها أنجبت له طفلين وبنتا ، هما : مالك ومحم وفاطمة ( والدة شرفاء لقلال ، التي يقال إن والدها أخبر عن زوجها القادم وهو الشريف سيدي الذي أنجبت له : هاشم " جد لهواشم" ، والمقدم"جد المقدمين"..).

وينظر الكثير من المؤرخين إلى أن محمد قلي هذا كان من الصلحاء الشناقطة والفقهاء الذين ذاع صيتهم سريعا في الآفاق ، خصوصا بعد أن ساهم بشكل رئيسي مع قلة آخرين في بناء شنقيط الثانية الحالية حوالي 660 للهجرة تقريبا ، و هناك أيضا من يشكك في دقة و ضبط التاريخ المشار اليه و يحدد تواريخ أخرى ، و الله تعالى أعلى و أعلم! .

إضافة لذلك، فإن محمد قلي كان من أوائل متعاطي قرض الشعر ، الذين لا تزال آثارهم باقية ، ومثال ذلك قصيدته التوسلية المسماة " القمحية" التي استغاث بها في إحدى سنين القحط والجدب وما أكثرها على أهل شنقيط في تلك الايام العسيرة ، وقد شكلت القصيدة الواقعة في اثنان وأربعين بيتا في بحر البسيط البواكير الأولي للشعر الشنقيطي كما تذهب إلى ذلك دراسات حديثة قام بأولها فيما بلغني أخي و شقيقي الأصغر الأستاذ محمدو ولد إدوم ولد نافع و أشرف عليها الدكتور محمد الأمين ولد الناتي بقسم اللغة العربية بكلية الآداب في سنة 2002-2001م  .

أما عن أول ذكر لقبيلة لقلال ، فإننا واجدوه لدى المؤرخ التمبكتي الأشهر القاضي " محمود كعت" في تاريخه " الفتاش" ، حيث ذكر فيه أن صلح الاسكيا الحاج محمد قد أنجز بعدلية شهادة رجلين من لقلال. كما أن المؤرخ المعروف " السعدي" قد أشار في مؤلفه التاريخي أن أول جامع بني للصلاة في مدينة تمبكتو التاريخية قد بنته امرأة ذات مال ، ومعروفة بأعمال البر،من لقلال أيضا ( ربما وردت بصيغة :  امرأة أغلالية  بالغين و ليس القاف )!!
 وحديثا – في القرن العشرين- فإن  "بول مارتي" قد تعرض في كتابه  المذكور سابقا عن القبائل البيضانية في الحوض والساحل الموريتاني إلى أن قبيلة لقلال " يشكلون اتحادية هامة جدا من " الزوايا" " المحاربين " ، وتعود من حيث أصلها إلي منطقة  تكانت".

ونظرا لحجمها العددي والامتدادات الناجمة عنه كما سبقت الإشارة، فيبدو – إذن- من العسير على المرء إن لم يكن مستحيلا عليه، خصوصا من غير المتخصصين أمثال العبد الفقير ، أن يتتبع كل أفخاذ وعشائر قبيلة لقلال في كافة مواطنها ومقارها في موريتانيا وحدها، فما بالك في الدول الأخرى في المنطقة أو خارجها.

ولابد من الوقوف قبل الاسترسال في التحليل عند وصف "مارتي " لهم بأنهم زوايا محاربين.. فكيف يمكن اعتبار هذه القبيلة نموذجا للزوايا المحاربين؟ 

وللإجابة ، فيمكن القول ، إنه من الحقائق المستقرة لدي الكثيرين أن مجتمعات الصحراء تشهد نوعا من التقسيم الاجتماعي للعمل (، حيث تكلف كل قبيلة على المستوي العام - و داخل كل قبيلة على المستوى الأضيق ، تكلّف كل فئة من المجتمع - بدور محدد ومرسوم. وقلّما اجتمع  لقبيلة أو فئة معينة الجمع  بين دورين معا ،  و يقال إن التقسيم ابتدأه المرابطون منذ حضورهم في هذا  المجال الصحراوي و خصوصا قائدهم أبوبكر بن عمر.. غير أنه لكل قاعدة استثناء كما يقولون ، وكانت لقلال ذلك الاستثناء في هذه الحالة ، حين ظلت قبيلة " زاوية" وقبيلة " محاربة أي مستعربة بالمعني الحسّاني"!

وفي تعريف الزوايا ، فإن اللفظ مرادف - في عرف المجتمع البدوي الموريتاني في  بعض المناطق – للضعف والاستكانة و الخمول ، الشيء الذي يعني أن القبائل " الزاوية" هي قبائل خاضعة لنفوذ القبائل الحسّانية ذات القوة والشكيمة في مجتمع اللانظام ( وكان تجذر هذا المعني إحدى تداعيات حرب شرببه الشهيرة! حسب بعض التأويلات أيضا !!)..

غير أن بعض القبائل الزاوية "كسرت القاعدة" وخرجت على النص ، حين احتفظت لنفسها بقدر معقول من " الاستقلالية"، وهو ما جعلها تدفع الثمن حروبا ودماءً ، وقد دخلت قبيلة لقلال كما تذكر الأيام والوقائع في الحوض بمفهومه الموسّع – مثلا-حروبا لمواجهة أحلاف من القبائل الأخرى رفضا للانصياع والخضوع ، ومن أكثر ما قيل رمزا ودلالة على ذلك هي مقولة أمير مشظوف " اعل ول محمد محمود" الشهيرة :" اللهم عمّرها قبيلة، أشبعتنا شرا وأشبعتنا خيرا"! ..

ويمكن أن تفهم تلك المقولة تماما ، لأن الأمير المذكور يعرف تفاصيل خمسة عشر واقعة اشهرها " تمبمبه"،هذا من جهة.

أما من جهة أخرى ، فإن وصف " الزوايا"هو نسبة مشتقة من زوايا المساجد التي كان الناس يتعلمون فيها  و يتعاطون العلوم والمعارف والتصوف الإسلامي السُنيّ ، ولذلك غدا " استزوي" تعبيرا عن الانشغال بالقضايا العلمية والدينية  ، وبالتالي انحصر الدور الاجتماعي لقبائل عديدة في توفير حاجات المجتمع الصحراوي الفكرية والثقافية لذلك فهم " ازوايا" ، كما انحصر دور قبائل أخرى في تأمين المجتمع والدفاع عنه فعُدُّوا " اعرَبْ" .. وتأكيدا على ذلك يري المؤرخ الراحل المختار ولد حامد في كتابه حياة موريتانيا – الجزء الثاني : الثقافي- أن لفظ الزوايا قد صار علماً على قبائل أغلب سيرها في تعلم العلم وتعليمه .
 و هي بذلك – بتعبير معاصر- فئة متخصصة في الثقافة العالمة إنتاجا واستهلاكا لدرجة انعدمت فيها الأمية داخل أوساطها ، كما أفاد العلامة أحمد ولد الأمين الشنقيطي في "وسيطه"!.

أما العلامة و الولي و الشيخ سيدي محمد ولد الشيخ سيد المختار الكنتي فيفيد في رسالته " القلاوية" أنه " من منن الله على قبائل الزوايا العصمة من الاجتماع والإجماع على الفتنة، لأن سماتهم هي التدين العميق والولع الشديد بالمعارف الإسلامية والعربية إلى حد التفنن والافتنان. إذن في هذا السياق يمكن إدراج ، بل وفهم الصفة التي أطلقها الفرنسي " مارتي" بأن لقلال زوايا محاربين..

ويجدر الذكر إلى أنه في موريتانيا لم توجد دراسة تتتبع اثنوغرافية هذه القبيلة على نحو دقيق وتفصيلي ، بل توجد شذرات هنا وهناك مجتزأة وغير موثقة مركونة في بعض المكتبات العائلية قبل أن تنال منها عاديات الزمن! ، مثل ما هو الحال لدي الأديب والشاعر الشنقيطي شغالي ولد أحمد محمود القلاوي ، حيث جهد كثيرا في كتابة نسخة مفصلة ببطون وبيوت وأفخاذ وتفريعات القبيلة وأماكن سكناهم ، وحتى حاول أن يتتبع المتواجدين في خارج موريتانيا .

ولاحقا قامت باحثة فرنسية طموحة في منتصف التسعينيات تدعي "كورين فوريينCourine fourier "بإعداد أطروحتها لنيل درجة الدكتوراه في علم الإناسة : الانثروبولوجيا، وكان موضوعها الرئيسي عن قبيلة لقلال في موريتانيا ، وقد كلفها إعدادها القيام بجولات تحرّ طويل وبحث دؤوب لجمع المعلومات وفحصها مقارنة ونقدا مدة تزيد عن السنتين جابت فيها كل أنحاء موريتانيا من شرقها إلى غربها ومن جنوبها إلى شمالها. وكانت النتيجة عملا علميا رصينا حصدت به أعلى الدرجات التي أهلتها باستحقاق لتكون ضمن الطاقم البحثي المعتمد لدى المركز الوطني للبحوث العلمية في باريسCNRS . و قد التقيتها مرارا في منزل أخينا الأكبر و البحاثة المتخصص في التاريخ الوسيط بجامعة نواكشوط الأستاذ الدكتور الناني ولد الحسين الذي ساعد الباحثة كثيرا في الترجمة و فك طلاسم كثير من الاخبار و المعلومات التي كانت تحصل عليها أثناء إعدادها لأطروحتها المشار إليها.

وتشير بعض الدراسات إلى أن قبيلة لقلال تصل نسبتها في موريتانيا إلى حوالي 12% تقريبا بحسب معطيات أول برلمان منتخب في تسعينيات القرن الماضي ومن الطريف قيام أحد " الهواة" ذات مرة في الفترة نفسها  ( التسعينيات ) باحتساب تصنيفي لنواب الوطنية ( البرلمان) فوجد عدد النواب المنحدرين من هذه القبيلة يشكلون خمسة عشرا نائبا . وهذا يبين الحضور الواضح لهذه القبيلة في شتى أرجاء موريتانيا  شرقا و غربا و شمالا و جنوبا.

ولهذا لم تخلُ الحكومات الموريتانية المتعاقبة من وزراء من هذه القبيلة من أول حكومة بعد الاستقلال في عهد الأستاذ الراحل أبو الأمة المختار ولد داداه حتى الحكومة الحالية ( نهاية سنة 2004) التي يقودها أحد أفراد هذه القبيلة ( الاستاذ اسغير ولد امبارك   ) .وتتشابه الاهتمامات الاجتماعية لقبيلة لقلال من حيث الاعتناء بالعلم والمعارف مع رصيد من قيم الفروسية (بمفهومها التقليدي) مع اهتمامات بعض مجموعات قبيلة " سلا" السوننكية( الذين يعتبرون أنهم من الأرومة البكرية و بالتالي فهم أبناء عمومة للقلال ، ويضع البعض خطأً رابطا قرابيا غير مباشر بينهم  مع مجموعة أهل الطالب هامه  القلاوية الكريمة ، و هو ما نعتبره مجانبا للصواب ، نظرا لما عرف عن أهل الطالب هامة من حفدة محمود بن إبراهيم ، ما يعني أن محمد غلي عم لهم ، و هم الحنوشه و معروفون لدى الخاصة و العامة و لم يتزنجوا وهم جزء أصيل من لقلال أصلا  و فرعا و ضربوا بأسهم في المعارف و المكارم و الفضل على غرار أبناء عمومتهم في لقلال ، و تكفي إطلالة على نموذج مصغر لتراجم علمائهم و فقهائهم و أعيانهم في تيشيت و غيرها ليعرف المرء مكانتهم و دورهم الريادي الذي لا ينكره إلا مكابر ! ).

وقد أتيح  لكاتب السطور حضور جزءً من اعترافات بعض أعيان و شخصيات علمية تنتمى لمكوّن " سلا" في مدينة (انيورو ) في جمهورية مالي في سبتمبر سنة 2004 ، حيث يرغبون في وصل ما انقطع من أواصر مع من يعتبرونهم  من أبناء عمومتهم !! ، الذين لا يعرف – حتى بعضهم- تلك المعطيات التاريخية غير القابلة للإثبات لأنها مسائل ظنية !! 

 و للأمانة فإن البكريين ينتشرون في افريقيا و آسيا و تنوعت مشجراتهم و تفرعاتهم بين دول عديدة في القارتين و يبذل بعض المهتمين جهودا لتوثيق الحضورالقبلي البكري حول العالم !.

ومادامت قبيلة لقلال في موريتانيا - مثلا - بذلك التشعب والتعقيد ، فلن يكون سهلا شمولها بالتشريح  العلمي الدقيق إلا لباحثين من الطراز الأول مع امكانات معرفية مميزة و دقيقة ووقت كبير و تفرغ شبه كامل  ، ولهذا سيتم الاستئناس – فقط- بتقسيمات عامة ، لعلها توضح جانبا ولو كان " مختصرا" وربما "مجتزءً" عن هذه القبيلة و ليلتمس لي عذرا مسبقا  من سيطالعه الخلط و عدم التنسيق بل و الخطأ غير المقصود .
إن أولاد محمد قلي هم :

مالك ومحم (محمد) . فمالك ، هو الجد الأعلى لأولاد مالك ومنهم : مولود ، وهو جد أهل عبدي ول مولود ، و"أحمادُ" وهو جد أهل الحاج أحماد ، و "بوقديجة" وهو جد أهل بوقديجه ،وأهل الشريف الكحل، وأهل الزين..

 أما الأبن الثاني لمحمد قلي ، فهو محم الذي أنجب أخوين شقيقين : أحمد وموسي . وأحمد هذا هو جد " أولاد أحمد" ، ومنهم :

 أهل الطالب سيد أحمد ، وأولاد يبويا ، وأهل الطالب مصطف ، وأهل أخليفة ، وأهل احمد طالب ،وأهل الطالب جدو ، وأهل بوبه ...الخ

أما موسى ، فإنه جد أولاد موسى بشقيهم البيض والكحل ، ومن أحفاده : الحاج الأمين التواتي ، صاحب الأوقاف الشهيرة في المدينة المنورة التي تسببت نزاعات حولها في تأميم أغلبيتها من الدولة السعودية في القرن العشرين. ،

 و من أولاد الحاج الأمين : الحاج عبد الرحمن  ( أهل الحاج عبد الرحمن ). وسيدي ( أهل سيدي ولد الحاج..). والحاج الطالب احمد ( أهل جدو ولد غلام..). الخ .

 ومن أولاد موسى أيضا : أهل عبدي ولد أجيد ، وأهل محمد المصطف ، وأهل احمد الحسن ، وأهل سيد مالك ، وأهل حامنى ، وأهل احمد البشير ، وأهل الحنشي ، وأهل الشيخ محمد تقي الله ..الخ.

وتوجد أيضا في قبائل الطوارق(التوارق) قبيلة تسمي " كلغلال" تنتسب أيضا إلى محمد قلي ولد إبراهيم حسب بعض الروايات في حين ترى روايات أخرى أن ذلك غير صحيح و أن كلقلال جزء من قبائل الطوارق المصنفون ضمن صنهاجة الصحراء ، وتنتشر تلك القبيلة في بوادي النيجر في " زندر" وغيرها.

ويتساءل البعض عن الكثرة الكاثرة لقبيلة لقلال ؟

وللإجابة على ذلك ، فيرجعها البعض - أي الكثرة الكاثرة لقبيلة لقلال -  إلى اتصافها - على غرار قبائل أخرى ليست كثيرة – بالانفتاح ، أي أنها قبيلة مفتوحة، وهذا يعني أنها تضم الكثيرين الذين يعودون في أصولهم التاريخية إلى قبائل أخرى حسا نية أو غيرها ، ولكنهم انضموا في مراحل تاريخية تالية لقبيلة لقلال على خلفية طلب العلم أوالجيرة أوالأمان ، وهو ما مكنهم وأحفادهم من بعدهم من الانتساب إلى الأصل الجديد دونما حرج ، بل برضا كامل ، منبتّين عن الانتماء السابق راضين ببديله الجديد.

وقبل إنهاء هذه المعالجة يمكن أن يذكر على سبيل المثال لا  الحصر ، فقط من باب الاستئناس ،  بعض علماء هذه القبيلة على سبيل الإشارة وليس التعداد ، نظرا لتعذره علي الباحث واقعيا وهو في الغربة و بعيد عن مظان المعلومات و المراجع  ، ومن اشهر أولئك : العلامة عبد الله ولد أحمد ولد الحاج حمى الله الأحمدي ( المتوفى 1209 هـ) وهو الموصوف بأنه موسوعة وعلامة كل فن  و كان فريد عصره و أوانه في العلم و التبحر في كل الفنون ، وهو أول ناظم لرسالة ابن أبي زيد القيرواني. وتوجد في الوسيط ترجمة وافية تقريبا. ولو انه ورد ضمن علماء قبيلة "ايدوعلي" ، وقد علل ذلك لأن العلويين وأبناء أختهم لقلال هم " ارديف اللي ما يكذبْ" ، وهو مثل شعبي دارج يشير إلى قوة الارتباط بين القبيلين لدرجة أن أي علوي لا يجد غضاضة في أن يقدم نفسه باعتباره قلاوي إذا ما كان موجودا أو مقيما في منطقة تكثر بها لقلال ، والعكس صحيح.

كما أن من العلماء القلاويين الكبار العلامة عبد الله النابغة القلاوي ( المتوفى سنة 1245 هـ) الذي اشتهر في منطقة القبلة في موريتانيا ، وهو صاحب نظم بوطليحية الشهير الذي حصر فيه المعتمد من المراجع الفقهية في المذهب المالكي ، كم أنه صاحب الأزهري في شرح مختصر الأخضري .

ومن علماء لقلال المشهورين أيضا العلامة الحاج الطالب أحمد ولد الحاج الأمين التواتي ، سبق ذكره ضمن أبناء الحاج الامين ، المعروف بإتقانه علم الفلك وقد ترجم له البرتلي باعتباره أحد علماء التكرور وتوفي بعد آخر حجاته الحادية عشرة  قافلا من الديار المقدسة بعد أن وصل مدينة مرزق ( منطقة فزان الليبية جنوب طرابلس 900 كم تقريبا) سنة 1157هـ ، كما يؤكد ذلك مركز جهاد الليبيين ، وهو من أهم المؤسسات البحثية التاريخية الرصينة في شمال إفريقيا.

------------------------------------------------------
يعتذر الكاتب عن بعض الأخطاء عموما التي سيلاحظها القارئ العارف بالموضوع و متعلقاته، و هي أخطاء قلما يخلو منها أي عمل بشري ، و خصوصا المتعلقة بالاقتصار على شخصيات و أعلام من القبيلة دون غيرهم ( العلامة عبد الله بن الحاج حمى الله ،  و ابن اخته العلامة النابغة القلاوي) ، نظرا للسرعة في كتابة الموضوع و بُعدُ الكاتب عن البلاد في ذلك الوقت  أثناء تحضيره لدراساته العليا ، حيث كتب المقال بطلب من أحد الأصدقاء و الإعلاميين الليبيين ، و نشر في مجلة الملتقي لسان القيادة الشعبية الاجتماعية في ليبيا سنة 2005 ، ثم توالى نشره في عدة صحف و مجلات ليبية أخرى و نقلته مواقع موريتانية ناشئة في ذلك  و انتشر على شبكة الانترنت بدرجة كبيرة و بات مرجعا للبعض ممن يتعذر عليه الوصول إلى المعلومات الدقيقة.. فلهذا وجب الاعتذار و تكراره ، و من يأنس في نفسه القدرة على " إكمال" نواقص هذا العمل التي نعترف بها فليبادر إلى ذلك شكر الله سعيه ووفقه وسدده، فهذا هو البحث العلمي ومن سماته التراكم لبنات بعضها فوق بعض في سبيل بلوغ الحقيقة المجردة!!   .كما سقطت الإحالات المصدرية لسبب فني حيث تم حذفها للأسف الشديد.

و لا حول  و لا قوة إلا بالله العلي العظيم.

و لله الأمر من قبل  ومن بعد.

الإحالات:

(1) – سيدي عبد الله ول الحاج إبراهيم العلوي :" صحيحة النقل في علوية ايدوعلي وبكرية محمد قلي" ، مخطوط في مكتبة العائلة.

(2) - الخليل النحوي :"بلاد شنقيط المنارة والرباط" ،( تونس ، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم ،1987).

(3) – محمد ولد إدوم ولد نافع:" نشأة الشعر الشنقيطي من خلال القصيدة القمحية للفقيه محمد قلي ولد إبراهيم" ، بحث لنيل درجة الإجازة في الآداب ، نواكشوط – كلية الآداب بإشراف د. محمد الامين الناتي ، غ. ن .السنة الجامعية  -2000-2001.

(4) بول مارتي :" القبائل البيضانية في الحوض والساحل الموريتاني" ترجمة محمد محمود ولد ودادي ، ( طرابلس ، جمعية الدعوة الإسلامية العالمية ، 2001).

(5) – احمد ولد الأمين الشنقيطي :" الوسيط في تراجم أدباء شنقيط".. القاهرة 1911م.

(6) – سيدي محمد الكنتي :" الرسالة القلاوية" ، تحقيق ودراسة د.حماه الله ولد السالم .

تصنيف : بحوث ودراسات