1 أبريل 2008

..بعد شهر من انقلاب الجيش في 2005 .. موريتانيا تحتاج إلى الكثير..!!

أعلن الرئيس الموريتاني المخلوع معاوية ولد الطايع من منفاه الاضطراري في النيجر أن الانقلاب الذي أسدل الستار في 3-8-2005 على أزيد من عقدين من حكمه انقلاب أحمق ومن أسوإ الانقلابات في تاريخ افريقيا..غير أن الآلاف من الموريتانيين تدافعوا في المدن الموريتانية الرئيسية مؤكدين على فرحتهم العارمة بنجاح هذا الانقلاب..
فما هي الدوافع وراء انقلاب الجيش الموريتاني في هذا الوقت بالذات؟ وماهي التداعيات التي ستترتب عليه في المستقبل المنظور لهذا البلد العربي القصي؟
إن عهد موريتانيا بالانقلابات ليس جديدا بل إنه بدأ منذ 10 يوليو 1978 حين انلقب الجيش على الحكم المدنى الذي استمر زهاء ثمانية عشر سنة ترأس فيها موريتانيا أبو استقلالها الرئيس الراحل المختار ولد داداه ، ثم توالت سلسلة الانقلابات حتى تناوب على السلطة في موريتانيا خمس رؤساء في أقل من سنتين ، وقد عكس ذلك الوضع السياسي غير المستقر نفسه على المسرح العربي ، حيث سخر الفنان العربي السوري غوار الطوشة( دريد لحام) من ذلك حين قال في إحدي ليالية المسرحية في تلك الفترة إنه أخذ مكانه في الطابور حتى يصله الدور في حكم موريتانيا!.
وعلى الرغم من أن العسكر قد جاؤوا الى السلطة تحت شعار " اللجنة العسكرية للخلاص الوطنى" إلا أن تجربة سنين من ادارة العسكر للسلطة والثروة جعلتهم يستخدمون الأولى لضمان الثانية ، فبين عشية وضحاها استحال كبار الضباط إلى أثرياء جدد من خلال ادارتهم للمشاريع والشركات الوطنية الاستراتيجية في مجال الاقتصاد. وهو ما ساهم في إثارة القوى السياسية الموريتانية ، وكان جزاؤها الثواء فترات تطول أو تقصر في السجون والمعتقلات.
واستمر الوضع المتفاقم سياسيا واقتصاديا حتى 12-12-1984 حين انقض الجيش بقيادة معاوية ولد الطايع يومئذ على السلطة في غياب الرئيس ولد هيدالة الذي كان يحضر فعاليات قمة الدول الناطقة بالفرنسية في بوجومبورا ، ولاقت الخطوة الانقلابية ترحيبا واسعا لدى الموريتانيين الذين كانوا بدأوا يتذمرون من سوء تسيير العسكر للسلطة ، وكانت الآمال العراض بعهد جديد تنعم فيه البلاد بالحرية والازدهاربدأت تنمو وتتسع .
ومما عزز من تلك المطالب قبول العسكريين الجدد بالكثير من مطالب الحركة الوطنية الموريتانية كما كانت ترسمها برامج الأحزاب السياسية القومية العربية والاسلامية واليسارية.
واعتمد معاوية ولد الطايع على الكثيرين من كوادر ونشطاء تلك الأحزاب السياسية في إدارة الدولة حتى جاءت التسعينيات بانهيار سور برلين وانتهاء الحرب الباردة وانفراد الولايات المتحدة بقيادة المنتظم الأممي ودعوتها الدول والحكومات إلى اعتماد التعددية الحزبية في السياسة والليبرالية في الاقتصاد ( كما تعكسها نصائح خبراء مؤسسات الاحتكار الدولي : صندوق النقد والبنك الدوليين)، وكان معاوية الطايع مدركا أن استمرار بقاءه في السلطة يتطلب التكيف السريع مع الأوضاع الاقليمية والدولية ، فأعلن رغبته في الديمقراطية التعددية ، وقدّم دستور 20 يوليو 1991 للاقتراع العام الشعبي وتم قبوله رغم احتوائه بذرة الديكتاتورية والحكم الفردي الأناني ، حين لم يقرر تقييد فترة تولية الرئيس لأكثر من دورتين رئاستين كما هو النص في الدساتير الأم التي استنسخ منها الدستور الموريتاني مع اعتماد تبيئته ليكون متساوقا مع حالة موريتانيا كدولة عربية افريقية مسلمة ، وهكذا ترشح ولد الطايع ثلاث مرات رئاسية متتالية وفرض نفسه مسبقا وبآليات الديمقراطية التي فصلها بالمقاس.
ولقد عاني الشعب الموريتاني من فشل برامج التنمية الاقتصادية التي مولت بسقف نقدي وصل إلى 4 مليار دولار خلال فترة حكم ولد الطايع ، وتم الإجهاز على الثروات الوطنية ( السمك والحديد) حيث تم توزيعه على الاستثمارات الأجنبية و البرجوازية المحلية الكومبرادورية المرتبطة بها ، في حين ظل الموريتانيون يعانون الفقر والمجاعة بشهادة صندوق النقد الدولي والبنك الدولي في غالبيى تقاريرهما ، وهي وضعية تزايدت وطأتها لدرجة أصبح معها مصير الدولة في خطر أكيد ، خصوصا أن نفس الحالة تكررت في شعوب ودول غرب افريقيا وأدّت إلى كوارث من حروب اهلية وقبلية وتصفيات عرقية فظيعة ( حالات بورندي وروندا وليبيريا وساحل العاج..الخ).
وظل نظام ولد الطايع سادرا في برامجه وسياساته التي تؤكد على أن موريتانيا تعيش نهضة حقيقية غير مسبوقة في شتى المجالات وديمقراطية تعددية بلغت فيها الأحزاب أزيد من 25 حزبا سياسيا من أقصى اليمين ( بمفهومه العام) إلى أقصى اليسار ، إلا أن قانون الأحزاب يحظر تشكيلها على أسس عرقية أو دينية ، وكان ذلك هو المبرر الذي تم من خلاله رفض الترخيص لحزب الأمة ( المكون من التيار الاسلامي) أو امتداده حزب التكتل الدميقراطي ( حمد) الذي رفض أيضا لكونه يضم في قمته عناصر فاعلة من التيار الإسلامي الوطني المعتدل. كما تم رفض أحزاب أخرى مثل حزب تطوير الديمقراطية على اساس أنه شديد التأثر بالإيديولوجية! ومع ذلك استمر الاحتقان السياسي وكثرت الاعتقالات لخصوم نظام ولد الطايع تحت دعاوي زعزعة الاستقرار ومحاولة الاطاحة بالحكم بدعم خارجي .
ولم يخلو الأمر من دهاء سياسي حين قبل النظام إشراك بعض القوى االمعارضة في دخول قبة البرلمان بهدف تجميل الديكور السياسي ، إرضاء لرغبة " الخارج- الممول" ، إلا أن انتقادات المعارضة اللاذعة لم تغير من أوضاع الموريتانيين شيئا حيث ظلت أغلبية السكان مستعبدة للقمة العيش ولا تملك شروط الحياة الكريمة ، بل إن أجيالا من سكان العاصمة انواكشوط نشأت وترعرعت في أحياء الصفيح التي تذكر بالقرون الوسطى .. إذ لا مياه ولا كهرباء ولا ماء شروب وشظف عيش .. إنها حياة لكل شيئ إلا أن تكون للبشر.
واستمر التململ في الأوساط الشعبية والقوي السياسية خصوصا بعد اقامة العلاقات مع اسرائيل كطريق إلى رضى أمريكا وهو ما زاد من دائرة السخط العام، حتى كانت المحاولة الانقلابية الجادة التي تولاها نخبة من خيرة ضباط الجيش الموريتاني بقيادة الرائد صالح ولد حننه ومحمد ولد شيخنا في 8-9/6/2003 التي كادت تطيح بنظام ولد الطايع ، وتجد تلك المحاولة تفسيرها في أنه لا توجد قوة شعبية منظمة سوى الجيس تستطيع أن تقوم بعمل وطنى تغييري ، نظرا لامكانياته اللوجستية والظروف التاريخية الموريتانية ذات العهد القريب بالبداوة وغياب السلطان المركزي منذ عهد الدولة المرابطية في القرن العاشر الميلادي.
وعلى الرغم أن تلك المحاولة كانت بمثابة القطرة التي طفح بها الكأس كما يقال ، إلا أن نظام ولد الطايع لم يستثمرها في إحداث تغيير جذري يحفظ به ما تبقي من ماء وجهه المراق ، ويمهد لانتقال السلطة الفعلية إلى الشعب الموريتاني. بل إنه أكثر من ذلك بدأ يكابر ويحاول القبض على السلطة و لو كلفه ذلك ثمنا باهظا سياسيا واستراتيجيا. وآية ذلك الانتخابات الرئاسية التي جاءت بعد الانقلاب بخمسة اشهر فقط ، حيث كانت المؤشرات تدل على تبرم الشعب من السياسات الخرقاء للنظام وتعلن دونما خوف أو وجل أن ارادتها الانتخابية ستؤول إلى منافس آخر ، وهو ما لم يقبل النظام به ولا قبله المستفيدون من وراء النظام من لوبيات المال والأعمال ورجال القبائل الذين اعتمد عليهم ولد الطايع طيلة حكمه في تثبيت أركان نظامه.
وبدا أن لا جديد تحت الشمس ، وأن النظام لايريد التغيير الذي يساهم في تحسين الأوضاع المعيشية لمواطنيه ، واستمر انتاج الدجل وتزييف الواقع بشتى الوسائل ، وامتلأت السجون بالعسكريين والمدنيين الذين يري النظام أنهم يشكلون خطرا أكيدا على مصالحه . إلا أن ظهور متغيرات اقتصادية جديدة تتمثل في " النفط " الذي حاول نظام ولد الطايع ان يمتلك عائداته لإطالة فترة حكمه ، وهو مايعني تبديدا يعيد إلى الأذهان ذكريات الثروات السمكية والمنجمية التي استحالت إلى أثر بعد عين ، ولم يعلم عنها الشعب الموريتاني شيئا يذكر ، أحرى أن تساهم في انتشاله من وهدة الفقر والعوز والحرمان .
وتؤكد المؤشرات أن عقود تقاسم النفط تنحو منحى ابعد ما يكون عن المساهمة في التنمية والتطوير ، حيث بدأت الرأسمالية المرتبطة بمصالح النظام في توزيع ا لغنائم حتى قبل ظهورها ، من خلال احتكار التشغيل والعمالة واستغلال الأخيرة بفائض قيمة كبيرتعكسه أجور زهيدة تقل بكثير عن المتعاقد عليه مع الشركات النفطية الأسترالية والبريطانية والصينية وغيرها.
ولتلك الاسباب وغيرها كان استمرار نظام ولد الطايع يعني استمرارا لاجترار وتكرار الأخطاء نفسها والفساد والمحسوبية والشللية والفوضى الإدارية والمالية وغياب الشفافية والمساءلة وحياة ضنكة لنسبة 95% من الموريتانيين ، وهذا ما أدركته القوات المسلحة والأمن الوطنى وقررت وضع حد له ، خدمة لحاضر موريتانيا ومستقبل أجيالها. ومن الأمارات التي تجعل القادة الجدد صادقين في وعودهم التي عكسها البيان الأول ، هو إعلانهم عن ضمان انتخابات حرة ونزيهة وشفافة خلال عام واحد لايكونوا هم طرفا فيها ، وكذلك دعوتهم القوى السياسية إلى حوار وطنى موسع من أجل موريتانيا ، وصياغتهم ميثاق دستوري ينظف دستور 20 يوليو من بذور الدكتاتورية والحكم الفردي ويضمن ديمقراطية تعددية حقيقية.
كما أن مبادرة المجلس العسكري للعدالة والديمقراطية بإطلاق سجناء الرأي من الاسلاميين المعتدلين وإعلانه عن عزمه إطلاق سراح العسكريين الموقوفين( قادة تنظيم فرسان التغيير) وإعادتهم إلى وظائفهم سيشكل رصيدا ايجابيا على أن موريتانيا الجديدة مختلفة عن موريتانيا الأمس التي كان الاعتقال والسجن والتشريد هو أهم عناوينها الكبيرة. إلا أن هذه الإجراءات تبقي ناقصة مادامت الأوضاع الاقتصادية المعيشية الصعبة للموريتانيين باقية تحت سعار الأسعار الجهنمية والأمراض الفتاكة ( مثل انتشار مرض الكوليرا في الأسابيع الماضية في العاصمة انواكشوط وبعض المدن الداخلية) .
فلابد من التفكير في إعادة توزيع الدخل وضمان مستويات معيشية كريمة ولائقة ، وذلك في إطار من المحافظة على الثروات الوطنية من التبذير والهدر وفي مقدمتها ثروة النفط الوليدة ، وضمان تصفية الملفات الوطنية العالقة كملف المبعدين الموريتانيين إلى الجارتين مالي والسنغال منذ أحداث التسعينيات ( وتشير بعض التقديرات إلى أن عددهم يصل إلى ستين ألف شخص).
ولن يكون المجلس العسكري بقادر على إقناع الشعب الموريتاني الذي مل الوعود العرقوبية منذ أزيد من عقدين ، إلا إذا تم البدء الفوري في معالجة الملفات الظرفية كحالة سجناء الرأي العسكريين والمدنيين المتهمين على خلفية انقلاب يونيو2003 ، حيث إن استمرار بقاءهم في المعتقل هو مؤشر غير ايجابي . كما أن عدم إشراك المعارضين الموريتانيين في الداخل والخارج ( والتشكيك في وطنيتهم واتهامهم بالعمالة كما حصل في لقاء دكار الذي جمع نخبة مميزة ومؤثرة من القوي السياسية الموريتانية بحضور الرئيس السنغالي ومبعوث الرئيس الحالي للاتحاد الافريقي ابوسانجو) في اللجان العاكفة على رسم لوحة المرحلة الانتقالية ولجانها المختلفة ، وكذلك استمرار عقلية الإقصاء السياسي وليدة العهد البائد ودليلها رفض الترخيص للأحزاب ( حزب حمد ، وحزب الديمقراطية المباشرة مثلا..) بحجة أن الوقت لا يزال مبكرا أمامها .. كل ذلك لا يصب في مصلحة الشعب الموريتاني العاجلة ويلقي أكثر من علامة استفهام حول الوضع في موريتانيا.
على المجلس العسكري وحكومة ولد بوبكر الانتقالية أن يتبعا الأفعال بالأقوال ، وليكن نصب أعينهم أن الوقت ليس في صالحهم ، والكرة كما يقولون في ملعبهم، والوضع الداخلي بمختلف تجلياته ينتظر ما سيفعلون. كما أن التحرك على الجبهة الخارجية له أهمية كبرى ،ويتطلب الحفاظ على إرث العلاقات الموريتانية عربيا وإفريقيا وإسلاميا لما يشكله ذلك من رصيد سياسي كبير ينبغي رعايته والتأسيس عليه لا نقضه وهدمه تحت دعاوي الاقليمية الضيقة في عصر العولمة والفضاءات المتعلمقة.
إن ذلك يعني أن المسؤولية تتطلب في الحقيقة القيام بأعمال تاريخية لعلها تعيد موريتانيا إلى شاطئ الأمان بدلا من أن يظل زورقها متأرجحا وسط أمواج الأطلسي العاتية.

0 التعليقات:

 
Design by Free WordPress Themes | Bloggerized by Lasantha - Premium Blogger Themes | Hostgator Discount Code تعريب بلوغر ـ تطوير وتنسيق : yahya