بقلم - د. أحمد ولد نافع - باحث و أستاذ جامعي
تعد قضية الفقر من أخطر وأعقد الإشكالات التي تواجهها الدول والمجتمعات المعاصرة، سواء بالنسبة للدول النامية أو الدول المتقدمة.
وليست موريتانيا استثناء من ذلك، حيث عانت من مأزق الفقر في ثمانينيات القرن الماضي، وذلك إثر موجات الجفاف الشامل التي اجتاحت البلاد مما تسبب في نفوق آلاف الرؤوس من الثروة الحيوانية وتصحر شامل للغطاء النباتي، وكانت النتيجة الحتمية لذلك الوضع هي نزوح جماعي لآلاف السكان من القرى والأرياف النائية إلى المدن الرئيسية خصوصا العاصمة نواكشوط التي نالها النصيب الأكبر من هذه الهجرات الجماعية، مما شكل لوحة قاتمة من أحياء الصفيح العشوائية التي باتت سوارا يحيط بالعاصمة ..!
ومن المهم التذكير أن هذا الفقر الذي عم وانتشر في موريتانيا جاء بسبب تضافر جملة مسببات داخلية وخارجية، فالأولى – على سبيل المثال – تمثلت في فشل مخططات التنمية المشوهة التي طبقت منذ الاستقلال في ستينيات القرن الماضي مما ولّد عدم فعالية البرامج الاستثمارية ووصولها إلى طريق مسدود رغم حجم الموارد الطبيعية التي تزخر بها البلاد، أما الثانية فتتمثل في النتائج السلبية للوصفات التي قدمها عرابو الهيئات الاقتصادية الدولية المانحة التي أضرت بالطبقة الوسطي وما يماثلها في البنية التقليدية للمجتمع الموريتاني.. وهكذا تضافرت العوامل المشار إليها لتضع موريتانيا وجها لوجه أمام "غول الفقر" إن صح الوصف!
وكانت ذروة السياسات الاقتصادية التي تبناها صانعو القرار الموريتاني بعد تصنيف البلاد ضمن مجموعة الدول الأكثر فقرا ومديونية، الشيء الذي جعلها تستفيد بصورة مزدوجة، من شطب الجزء الأكبر من مديونيتها، ومن استفادتها من "ميلاد استراتيجية وطنية لمحاربة الفقر".
وقد مثّل الأفراد الذين يعيشون تحت عتبة الفقر أكثر من نصف السكان (50.5%)، إلا أن وطأة الفقر شهدت تذبذبا، مع أن دراسات أحدث تدّعي خلاف ذلك قائلة إن الفقراء يشكلون حوالي ثلثي عدد السكان.
ويعتبر الفقر النقدي في المقام الأول ظاهرة ريفية (76.4 %)، وينتشر في المنطقة الريفية الجافة التي تؤوي أكثر من 75 % من الفقراء.
أما المناطق الأكثر تضررا، فهي منطقة آفطوط (منطقة جافة موزعة بين ولايات لعصابة ولبراكنة وكوركول) وبعض مناطق الحوضين "حواشي المدن والقريات النائية!.." وكيدي ماغة التي تظهر فيها معدلات لانتشار الفقر تقارب نسبة 80%.
ودون الغوص في تفاصيل الإطار الاستراتيجي لمحاربة الفقر من حيث الأهداف والوسائل والآليات، فإن ما يجب أن يشار إليه هو جزئيته المؤكدة على التنمية البشرية والاهتمام برأس المال البشري من خلال برامج ومراكز التكوين المهني والتعليم التقني استخلاصا للدروس من تجارب ناجحة في اليابان وغيرها، حيث باتت المراكز التكوينية المذكورة مجالا رحبا للقوى العاملة (وخصوصا فئة الشباب) من أجل تسليحها بالعلوم والمعارف والمهارات الفنية التي تمكّنها من أن تشق طريقها إلى العمل والإنتاج وتبتعد شيئا فشيئا عن وطأة الفقر إلى أفياء الرفاه والتنمية .
إلا أن التجربة تحتاج مراجعة نقدية تقويمية من أجل النظر في نقاط ضعفها والعمل على تحويلها إلى عناصر قوة من أجل حل إشكالية الفقر ليس بحلول تلفيقية تعالج أعراضها، بل بصفة جذرية تعالجها بمعالجة أسبابها الحقيقية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* منشور في مجلة خطوة المتخصصة في التنمية المستدامة - بتاريخ 1 سبتمبر 2015
يمكن متابعتها على الرابط :
http://www.khatwamagazine.com/Post/10/%D8%A5%D8%B4%D9%83%D8%A7%D9%84%D9%8A%D8%A9%20%D8%A7%D9%84%D9%81%D9%82%D8%B1%20%D9%81%D9%8A%20%D9%85%D9%88%D8%B1%D9%8A%D8%AA%D8%A7%D9%86%D9%8A%D8%A7%20..%D9%88%D8%AF%D9%88%D8%B1%20%D9%85%D8%B1%D8%A7%D9%83%D8%B2%20%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%83%D9%88%D9%8A%D9%86%20%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%87%D9%86%D9%8A
0 التعليقات:
إرسال تعليق