لقد تواردت ذكريات مريرة إلى الذاكرة ، وأنا ألقي نظرة الهبوط على ليل انواكشوط قليل الأنوار في إحدى ليالي شعر أغسطس من سنة 2004 ، حيث حطت بنا طائرة الخطوط الجوية مبشرة بالوصول إلى بلاد المنكب البرزخي ، وفي مطار انواكشوط الدولي كان العبث والفوضوية هما عنوان القاعة الوحيدة الضيقة لاستقبال القادمين ، وكم حزّ في نفسي أن ضيوفا " أوروبيين" صحبوني في نفس الرحلة بدأت علامات الدهشة تعلو وجوههم ، وبدأوا يكتشفون بسرعة حقيقة الوضع المثير للشفقة أكثر من الفضول بعدما تزاحم عليهم – ببداوة لا غبار عليها- حمالو الحقائب بصورة مقززة ، وهم يستنجدون – بعطف- لعلهم يحصلون على مقابل مادي من تلك " الخدمات الحقائبية". بدأت استرجع شيئا فشيئا الصورة التي تركت فيها موريتانيا منذ أزيد من نصف عقد من الزمان للدراسة في الخارج.
وكم هالني حجم المفاجأة حين اصطدمت بحقيقة الواقع الكئيب الذي يلف صورة البلد منذ سفري حتى أوبتي ، باستثناء " تعبيد" بعض الطرق الفرعية هنا وهناك ، مع تنامي للضواحي الخلفية والمجتمع الآخر للعاصمة في الكبات والكزرات ( مدن الصفيح) التي تجمّل ( أو تشوه) نواكشوط ، تلك الهضاب الرملية على شاطئ الأطلسي التي كانت قاعدة عسكرية فرنسية منذ نصف قرن تقريبا ، وتحولت في لحظة " حلم" إلى مشروع عاصمة مركزية في مجتمع تباعد عهده بالسلطة المركزية الجامعة منذ رباط عبد الله بن ياسين وصحبه.كان من مشروعات إعادة اكتشافي لنواكشوط بعد طول فراق أن أزور جامعة انواكشوط ( تلك الجامعة اليتيمة التي لم تكمل النصاب الأكاديمي بافتقارها حتى اليوم إلى كليات الطب والهندسة والزراعة ) كنت أقصد من زيارتي أن أتحسس لعل العريضة المطالبية ( من 33 مطلبا) التي دفعنا من أعمارنا التعليمية سنة بيضاء في سبيل تحقيقها سنة 1996-1997 ، وابتلي زملاؤنا " نشطاء الإضراب Les grevistes بالتوقيف والاعتقال التعسفي والإقامات الجبرية داخل وطنهم ، وكتب على " أهل الإضراب" ، كما كانوا يسمون حينها ، أن ينجحوا في الدور الثاني دورة اكتوبر 1997 لأول مرة – للكثيرين منهم ، ومنهم كاتب السطور- في حيواتهم الدراسية.
توقعت ، وأنا استحضر كل ذلك ، أن تكون تلك الرسائل الصادرة من " الرأي العام الطلابي" ، كما كنا نوقع بيانات الإضراب يومها ، قد لاقت صدًى لها واستجيب للعريضة الطلابية لتتحسن الحالة العلمية والأكاديمية لأول جامعة موريتانية نظامية يتيمة في العصر الحديث .. ولكن هيهات!!
حيث لا تزال الفصول الجامعية نفسها وكراسيها الشاحبة المهترئة والمناهج الدراسية التي " قزمت" تحت طائلة مواكبة سوق العمل ، وأكثر من ذلك لا تزال العقلية السائدة نفسها غير المؤمنة بسنة التطور هي التي تملك أمر الجامعة الفتية منذ أزيد من عقدين من الزمن بعدما أصبت بإحباط من زيارتي في يومي الأول للجامعة عدلت عن فكرة البقاء الطويل في العاصمة ، استغلالا للعطلة الصيفية ، فعزمت على الرحيل إلى النجع وبادية الحوض الشرقي ذات المناخ الخريفي الذي قد يعوضني لهب العاصمة ومناخها الصعب في تلك الفترة ، التي لا يملك فيها أهل المدينة إلا أن يهربوا ليلا إلى الحواضر القريبة ، أو بوادي انواكشوط كما تسمى ، تعويضا عن البادية الحقيقية في أعماق موريتانيا.
عن الرحلة المالية !
كانت انواكشوط في تلك الأيام من أغسطس 2004 تلتهب تحت وقع " حرب المناشير" بين القبائل والجهات على خلفية تداعيات هاجس الانقلابات الحقيقية أو المتوهمة ، بعد فشل المحاولة الانقلابية الجريئة لفرسان التغيير في 8 و 9 يونيو 2003 ، وما تلاها من تفاعلات بعد ذلك حيث أعلن عن التنظيم العسكري للفرسان في الخارج و أعلن نيته الإطاحة بنظام ولد الطايع بالقوة المسلحة ، و قد تصادف أن التقيت في مقهى انترنت في تفرغ زينه ، بعد طول فراق امتد سنين ، بزميل قديم هو الكاتب والشاعر الموريتاني أحمد ولد أبو المعالي – المقيم بالإمارات العربية في ذلك الوقت - حيث بادرني بعد السؤال و الاطمئنان بالسؤال عن أماكن توزيع تلك المناشير ، لرغبته الكبيرة بالحصول عليها لأنه بصدد إعداد مقالة تحليلية عن الموضوع ، فأشرت عليه أن يسير إلى ساحة البنك الموريتاني للتجارة الدولية بصحبة 100 أوقية ليحصل على نسخة من المناشير أو المناشير المضادة!!
عقدت العزم أن أخرج هذا الجو المشحون سياسيا ومناخيا إلى حيث الأهل والأحبة على بعد أزيد من ألف كيلومتر على الحدود الموريتانية المالية المشتركة ، وسابقنا بسيارتنا رباعية الدفع الزمن حتى لا يفلت منا الخريف وأجواؤه الخضراء ونسائمه العليلة ، بالرغم من " حمى الخريف" كما كانت تسمى تاريخيا ، أو " حمى الناموس : الملاريا " كما أصبحت تعرف حديثا!
ولابد من الإشارة إلى أنه قبل الأوبة إلى أرض الوطن كنا نتابع النشرات الإخبارية للتلفزيون الموريتاني ( الذي يجاملنا إخوتنا العرب ويسمونه الفضائية الموريتانية من باب التأدب ، ربما !) الذي كان يشنّف مسامعنا – ونحن في الغربة- عن الانجازات الحضارية ، التي يخيل للمرء وهو يتابعها أن بلادنا ولله الحمد انضمت للعالم المتقدم .
كانت تعليقات وكالة الأنباء الموريتانية ومعدّي تحاليل النشرات الإخبارية التلفزيونية ، ذات البناء اللفظي المنمق ، تتراءى في ذاكرتي وتتزاحم طرادا وأنا في المقصورة الأمامية من السيارة " تويوتا – جي اكس" ، حيث يلح سائقها" اعل .." الذي أبدى اهتماما زائدا براحتنا حين علم بصداقتي للكاتب الصحفي المتألق محمد فال ولد سيدي ميله ، وأفقدُ التركيز بين الفينة والأخرى جرّاء قفزات السيارة من تأثيرالحفر العميقة و الرمال الزاحفة على جانبي طريق الأمل!
وبعد سفر ليل طويل ومعاناة متتالية من وعثاء الطريق والبوابات الوهمية التي كانت تعرقل سيرنا في كل مرة بحثا عن " فرسان التغيير"! وصلنا إلى مدينة كيفة في هزيع الليل الأخير ، كان ذلك إيذانا باكتمال الجزء المصان من الطريق ..حيث بدأت سيارتنا تخرج من حفرة لتقع في أخرى أكثر عمقا واتساعا واستمر الحال إلى أن وصلنا إلى قرية أم العظام 30 كلم شرق اعوينات ازبل ، لتنتهي صلتنا بالطريق المعبد ، وندخل إلى التاريخ والطريق الترابية العادية ، التي كانت كذلك منذ قرون من الزمن ... وبالرغم من ذلك ، فإنها كانت أرحم بكثير من حفر طريق الأمل ، نظرا للوحة الخريفية التي جعلت الأرض تكتسي كسوتها السنوية التي تأتيها رحمة من السماء ، بعد أن عجز أهل الأرض عن فعل ذلك بالسحب الاصطناعية كما هو حال جيرتنا الجنوبية والشمالية .
وصلنا في صبيحة يوم الأربعاء في حدود الساعة 12 إلى مدينة " جكنى" ، وحين بدأت معالم المدينة في الأفق تبدت دورها العتيقة مذكرة بأزمنة القرون الوسطى ، رقعة شطرنج متلاصقة وصغيرة ، هكذا بدت مدينة الطفولة ، وعهدي بها تقادم منذ ثماني سنين تقريبا .. وأول المعالم التي ظهرت عند ضواحيها هو مبني مفوضية الأمن الغذائي ( العنقر : تسمية محلية مأخوذة من الفرنسية!!) ، وما لفت انتباهي أنه أزيح خارج المدينة ، حيث كنا صغارا ننعته بالبعد عن قلب المدينة ، غير أن أخي الجالس يميني أكّد لي أنه لم يتزحزح قيد أنملة ، وأنه هو نفسه الذي تقادم به العهد!
ودخلت بنا السيارة منزل الأسرة ( أسرة العلامة الفقيه المقدّم و المصلح و المفتي الراحل إدوم ولد نافع رحمه الله ، حيث توفي سنة بعد ذلك في هر رمضان المبارك سنة 2005 م ) جنوب المدرسة رقم واحد سابقا ( حاليا مبنى ثانوية المقاطعة ) .. واستمتعنا بأيام جميلة مع الأهل والأحبة ، وكانت المدينة تعيش حركة بشرية غير عادية ، نظرا للقاء التجاري الأسبوعي المنتظم "يوم السوق " أو يوم الأربعاء ، حيث تمتلئ المدينة وأسواقها بالتجار القادمين من المقاطعات المجاورة ومن مدن تقع على الطرف المالي من الحدود المشتركة ، غير أنني لاحظت أن مكان السوق الذي كانت تسوره من ناحية الجنوب ترعة ماء ضخمة من عادتها أن تتصيد سنويا احد " الجكناويين" غرقا في مياهها ، تكاد تختفي بعد زحف الدكاكين التجارية عليها ، بعد أن ولىّ الزمن الذي كانت تغرق فيه السوق أياما من المياه والوحل ، وهو ما كان يشكل خسارة كبرى للتجار والمتعاملين في كل خريف .
وبعد أيام شاءت الظروف أن ازور - رفقة الوالد العلامة رحمه الله تعالى - دولة مالي المجاورة ، وهي دولة الأخوال ، ولنا معها روابط تاريخية و اجتماعية و إنسسانية عميقة ، وعلائق دينية لم تزدها الأيام الا قوة ومتانة لله الحمد، وكان ذلك بالنسبة لي فرصة نادرة أجدد فيها إحداثيات الجغرافيا التي خيمت عليها عنكبوت زمن العولمة منذ زيارتي الأخيرة إليها في منتصف التسعينيات ( عيد الفطر السعيد لسنة 1996)، ولم أنتبه للمنطقة الحدودية ، التي لا توجد عليها معالم توبوغرافية بارزة على الأرض ، إلا حين غدونا في عمق الأراضي المالية ، وهذا خلافا طبعا للحدود البينية لآخرين ، و تزينها البوابات والمتاريس ورجال الأمن الأشداء على الإخوة الرحماء على غيرهم !!!
... إن غياب معالم أو رموز للحدود الدولية من أي نوع على حدود موريتانيا ومالي ذكّرتني بما قاله أمامي مؤسس الدولة الموريتانية الحديثة الأستاذ المرحوم المختار ولد داداه حين التقيته قبل رحيله بسنوات في طرابلس ( على هامش تأسيس الاتحاد الافريقي على أنقاض منظمة الوحدة الافريقية في 9/9/2009 )، وبعد حوار ودّي شيق و مؤثر، سألني عن أحوال الناس هناك في الحوض ، بعد أن تعرّف عليّ اجتماعيا ، كما تساءل عن أخبار الحيوان والماشية وانتجاعها عبر الحدود كل ما ادلهمت خطوب الصيف سنويا في تلك المنطقة الحدودية ، فقلت له إن الأحوال بخير إجمالا، فعقّب علي قائلا ومذكرا بما قاله له الرئيس المالي الأسبق موديبو كيتا أنه لا وجود للحدود ، بالمعني السياسي للكلمة ، وأن الحاصل هو أن الفرنسيين عبثوا بأراضي آخرين لا يرون فيها أكثر من مصدر للمواد الأولية والنفوذ ، ولا يهمهم لا حقائق التاريخ ولا معطيات الجغرافيا و الاجتماع .. غير أن ذلك لم يحل دون وجود مشكلات حدودية بين الجارين الشقيقين منذ استقلالهما عن المستعمر الفرنسي كما أخبرنا الرئيس المؤسس في ذلك الوقت.
واصلنا الطريق إلى مدينة " انيورو" Nioro du sahel أو( نور الساحل ) وهي من مقاطعات ولاية خاي المالية في ذلك الوقت ( الولاية الأولى إداريا في جمهورية مالي) ، وهي موطن تاريخي تأسس منذ ثلاثة قرون على أدنى تقدير ، وكان سكانها ينحدرون من العرب والقبائل الزنجية الإفريقية الأخرى ، وكان تجار الماشية العرب يسمونها بـ :" قبْ " ، وحين يختلفون حول تسعير مواشيهم في البيع يرددون أن :" قَبْ الْ قِدَّامْ " ( وحديثا : انيور القدام ، أي أن مدينة قب التي هي أمامنا ستكون هي معيار معرفة التسعير الحقيقي !! )
و في ذلك دلالة بارزة على الأهمية التجارية للمدينة عبر القرون.
وزادت الرمزية التاريخية للمدينة بعد ظهور نجم الشريف التيشيتي أحمده حماه الله بن محمدو بن سيدنا عمر شيخ وخليفة الطريقة التيجانية الحموية في بداية القرن العشرين ، وانكباب الناس عليه أفواجا للسلام والزيارة والبيعة ، فلقب الناس المدينة بالنور فحرفها الأفارقة والفرنسيون " انيورو" .. والله أعلم !
التقيت في هذه الرحلة المالية الكثير من الشباب الموريتانيين في عمر الزهور عاقدين العزم على التوبة من الثواء في أرض الوطن نأيا عن أذى شظف العيش وقساوته ، وهو مشهد يتكرر كل يوم ، وحين استحالت القصة إلى ظاهرة من وجهة نظري ، تعمدت أن استفسر عن الأمر ، فكانت نسبة 90% من الإجابات هي أن الظروف أقوى من الإنسان ، ويتساءلون في حسرة .. ما فائدة التعليم والدراسة الطويلة مادام المستقبل غامضا ، ولا توجد ضمانات في الأفق ، وظروف الأسر والعوائل تقلصت إلى درجة مهينة على القدرة على الإنفاق على الحياة لانعدام ظروف الكرامة الإنسانية في حدودها الدنيا .. فلهذا – من وجهة نظرهم – لا بد أن نكون منصفين مع ذواتنا ونبحث عن طريق الخلاص لأنفسنا وعوائلنا..
ولكن السؤال هو : أين انتم ذاهبون ؟ والجواب الجماعي : لا ندرى.... إلى حيث توصلنا الطريق ...!
هل تقصدون مالي فقط ؟؟ الجواب : نحن ذاهبون إلى مالي وساحل العاج أو بوركينا فاصو أو التوغو أو انغولا ..لايهم ،بالرغم من علمنا المسبق بمشكلات تلك الدول من حروب وقلاقل اجتماعية ومناخات استوائية قد تضرنا ونحن الصادرون من مناح صحراوي جاف و قاحل! .
ذكرتني حالة هؤلاء الفتية ، والشيء بالشيء يذكر ، بحال " أهل قندهار" ، إنها دار ضيافة توجد قرب مباني بعض الشركات الأجنبية العاملة في مجال البترول في منطقة جنزور في العاصمة الليبية طرابلس ، وقد أسسها مجموعة من الشباب من طالبي الشغل لدي الشركات النفطية ، ويرتاد " قندهار" عشرات الموريتانيين شيبا وشبابا من مختلف الجهات و المجموعات والقبائل الذين رمت بهم صروف الدهر إلى الانتشارفي الأرض بحثا عن رزق الله ، ألم يقل الشاعر العربي :
وفي الأرض منأى للكريم عن الأذى ***** وفيها لمن خاف القلا متحول
وقد تأسست قندهار في خضم الإعداد الأمريكي للحرب على طالبان والقاعدة بعيد احداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، حيث سقطت مدينة " قندهار" الأفغانية كآخر القلاع الحصينة لدولة إمارة أفغانستان الإسلامية ، فجعل منها هؤلاء رمزا للصمود قبل إسدال الستار على حكم طالبان والقاعدة ، فكأن هؤلاء الموريتانيين يشيرون إلى صمودهم ، كصمود الأفغان ، حتى نيل هدفهم وهو الحصول على العمل في تلك الشركات وتوديع حياة الشظف وألم الغربة عن الأهل والأحبة ، أو الهجرة إلى قندهار أخرى ، في حرص على استمرارية المعركة من أجل لقمة العيش بعدما عزّ نيل ذلك في الديار وبين الأهل والأحبة .
ولم أكد أتعرف على مجموعة من الشباب " مشاريع هجرة " حتى يختفون في نضالهم في أتون معركتهم المقدسة ، لأجد نفسي أمام آخرين لهم نفس الغاية والهدف والوسيلة .. فعرفت أن وطنا طاردا لفلذات أكباده وراء حدوده يعاني ما يعاني من أزمات مستحكمة لابد لها من حل وإن طال انتظاره ..!
التقيت في هذه الرحلة المالية الكثير من الشباب الموريتانيين في عمر الزهور عاقدين العزم على التوبة من الثواء في أرض الوطن نأيا عن أذى شظف العيش وقساوته ، وهو مشهد يتكرر كل يوم ، وحين استحالت القصة إلى ظاهرة من وجهة نظري ، تعمدت أن استفسر عن الأمر ، فكانت نسبة 90% من الإجابات هي أن الظروف أقوى من الإنسان ، ويتساءلون في حسرة .. ما فائدة التعليم والدراسة الطويلة مادام المستقبل غامضا ، ولا توجد ضمانات في الأفق ، وظروف الأسر والعوائل تقلصت إلى درجة مهينة على القدرة على الإنفاق على الحياة لانعدام ظروف الكرامة الإنسانية في حدودها الدنيا .. فلهذا – من وجهة نظرهم – لا بد أن نكون منصفين مع ذواتنا ونبحث عن طريق الخلاص لأنفسنا وعوائلنا..
ولكن السؤال هو : أين انتم ذاهبون ؟ والجواب الجماعي : لا ندرى.... إلى حيث توصلنا الطريق ...!
هل تقصدون مالي فقط ؟؟ الجواب : نحن ذاهبون إلى مالي وساحل العاج أو بوركينا فاصو أو التوغو أو انغولا ..لايهم ،بالرغم من علمنا المسبق بمشكلات تلك الدول من حروب وقلاقل اجتماعية ومناخات استوائية قد تضرنا ونحن الصادرون من مناح صحراوي جاف و قاحل! .
ذكرتني حالة هؤلاء الفتية ، والشيء بالشيء يذكر ، بحال " أهل قندهار" ، إنها دار ضيافة توجد قرب مباني بعض الشركات الأجنبية العاملة في مجال البترول في منطقة جنزور في العاصمة الليبية طرابلس ، وقد أسسها مجموعة من الشباب من طالبي الشغل لدي الشركات النفطية ، ويرتاد " قندهار" عشرات الموريتانيين شيبا وشبابا من مختلف الجهات و المجموعات والقبائل الذين رمت بهم صروف الدهر إلى الانتشارفي الأرض بحثا عن رزق الله ، ألم يقل الشاعر العربي :
وفي الأرض منأى للكريم عن الأذى ***** وفيها لمن خاف القلا متحول
وقد تأسست قندهار في خضم الإعداد الأمريكي للحرب على طالبان والقاعدة بعيد احداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، حيث سقطت مدينة " قندهار" الأفغانية كآخر القلاع الحصينة لدولة إمارة أفغانستان الإسلامية ، فجعل منها هؤلاء رمزا للصمود قبل إسدال الستار على حكم طالبان والقاعدة ، فكأن هؤلاء الموريتانيين يشيرون إلى صمودهم ، كصمود الأفغان ، حتى نيل هدفهم وهو الحصول على العمل في تلك الشركات وتوديع حياة الشظف وألم الغربة عن الأهل والأحبة ، أو الهجرة إلى قندهار أخرى ، في حرص على استمرارية المعركة من أجل لقمة العيش بعدما عزّ نيل ذلك في الديار وبين الأهل والأحبة .
ولم أكد أتعرف على مجموعة من الشباب " مشاريع هجرة " حتى يختفون في نضالهم في أتون معركتهم المقدسة ، لأجد نفسي أمام آخرين لهم نفس الغاية والهدف والوسيلة .. فعرفت أن وطنا طاردا لفلذات أكباده وراء حدوده يعاني ما يعاني من أزمات مستحكمة لابد لها من حل وإن طال انتظاره ..!
كتب المقال سنة 2004 م ..
يتواصل
يتواصل
0 التعليقات:
إرسال تعليق