قراءة و تحليل : الدكتور أحمد ولد نافع - باحث و أستاذ جامعي موريتاني
ahmedonava@yahoo.fr
يستعرض كتاب الحقيقة القومية وفق منظور النظرية العالمية الثالثة قضية جدلية مهمة تباينت حولها رؤى و تحليلات المفكرين من شتى فروع المعرفة .
و يتصدي الاستاذ مرعي علي الرمحي لهذا الموضوع بعد ان فشلت ، بحسب قوله ، كل من الرسالمالية و الماركسية في جلاء الحقيقة التي طرحتها النظرية العالمية الثالثة ( فكر الأخ القائد العقيد معمر القذافي) .
و قد قام الكاتب بتقسيم موضوعه منهجيا الى ثلاثة اقسام رئيسية ، الاول منها عن اشكالية التداخل المفاهيمي مابين القومية و المفاهيم الاخرى ، و الثاني عن نشأة الدولة القومية ، و الثالث عن التأصيل النظري للقومية العربية ..
استحالة التعريف الجامع للقومية
يربط المؤلف منذ البداية إنتاج مفهوم القومية ضمن ميكانيزم السياق الحضاري الغربي عموما ، خصوصا بعد بروز بوادر عصر الأنوار و الثورات الفكرية السياسية ( الثورة الفرنسية و ما تلاها ) ، ولهذا يشير الى التداخل في مفهوم القومية مع أترابه من المفاهيم الاخرى كالوطنية ، و التابعية ، و العنصرية ، و اليمينية ، و الاقليمية ،و الاشتراكية ، و الجمود ، و الأممية .. الخ .
و يستتبع ذلك تنوع مقومات ، او عناصر ، القومية من مادية ( وحدة الاصل ، وحدة البيئة الجغرافية ، العامل الاقتصادي ، عامل اللغة ..) و معنوية ( العامل الديني ، العامل التاريخي ، العامل الثقافي ، عامل التحدى و الخطر المشترك )..
و يرجح المؤلف أن نمو القومية و انتشارها كان وراء انبثاق العديد من الدول الجديدة ( الدولة القومية في اوروبا) بعد ايقاظ الشعور القومي للشعوب الاوروبية قريبة العهد بظلامات الكنيسة و القرون الوسطى . و يناقش المؤلف كون المشاعر القومية و الدول القومية التي انتشرت كالنار في الهشيم في انحاء العالم الغربي عموما لم تنبعث من فراغ ، فلقد ساهمت فيه جملة ممهدات منها الشعور بوحدة المصير المشترك و التاريخ الواحد ،و اللغة المشتركة ، و الهدف الواحد ، ووحدة نمط المعيشة ،،،الخ .
ان توحيد الشعب والارض ، يضيف المؤلف ، في دولة ذات سيادة و تقوية الرابط القومي الذي اتخذ من الاتحاد شكلا اجتماعيا ، ساهم في خلق مجالات للفرد يتم من خلالها تحقيق الذات و الكرامة له ، كما أوجدت القومية للفرد أهدافا مقدسة يعيش و يموت من اجلها ، و ربما تكون القومية قد أسدت للفرد نفس الفوائد التي قدمها " الطوطم" للإنسان البدائي ، بل أكثر من ذلك فهناك من يرى أن القومية قد وفرت للفرد الحديث الحماية و المركز الاجتماعي و الأمل بالمستقبل .
القومية العربية ... لماذا ؟
يذهب المؤلف ، و تسنده في ذلك الكثير من الأبحاث بالخصوص ، أن الوعي القومي العربي قد بزع من وسط ركام تداعيات أفول نجم الرجل المريض ( الامبراطورية العثمانية) التي فرطت في الأراضي العربية في اتفاقيات مذلة مع القوى الاوروبية الاستعمارية فقد احتلت الجزائر 1830 ، و تونس 1881 ، و مصر 1882 ،،الخ .
و تجسم هذا الوعي القومي العربي مبكرا في بيروت في جمعية سرية 1876 ، و ثورة أحمد عرابي ، و حركة الامام المهدي في السودان ، و جمعية النهضة العربية في 1903 ، و عصبة الوطن العربي في 1904 ، و جمعية العربية الفتاة في 1909 ، وحزب العهد ...الخ .
و قد تنامت الفكرة القومية العربية بعد ذلك ردا على اتفاقية سايكس بيكو التي قننت للتجزئة في الوطن العربي ، ووعد بلفور " الذي أعطي من لايملك ( فلسطين ) لمن لا يستحق ( الصهيونية).." وهو ما تحقق في النكبة الاولى في سنة 1948 .
و يشير المؤلف الى ان القوى الرجعية المحلية التقت في تحالف مع المخطط الامريكي الصهيوني الهادف الى مزيد من توسيع رقعة الشرذمة و التفتيت الداخلية ، مما يعني ان البورجوازية العربية ليست ذات مصلحة في الوحدة القومية من المحيط الى الخليج ، أما العمال و الفلاحين و الشرائح الوطنية الاخرى و باقي الفئات الشعبية البسيطة فإن لهم مصلحة حقيقية في تجسيد الوحدة القومية العربية و ان كانوا يفتقدون الى الوعي بها و الى وجود التعبير السياسي عنها .
وقد أصبح الوطن العربي يشهد مدا قوميا وحدويا منذ أوائل الخمسينيات و الستينيات يرتكز سياسيا على خوض معركة التحرير الشامل من كافة أشكال الاحتلال المباشر و التبعية و تحقيق الديمقراطية و الوحدة ، و اقتصاديا على أهمية بناء اقتصاد قومي عربي قادر على توفير احتياجات المواطنين العرب و متطلبات الحرب و السلم .و اجتماعيا على بناء المجتمع العربي على أسس قومية و محاربة كافة أشكال التغلغل الاستعماري . و ثقافيا على محاربة الغزو الفكري و الثقافي و ربط الثقافة بمعركة الامة العربية في الدفاع عن حقوقها المشروعة .
العامل القومي كمحرك للتاريخ ..
ناقش الباحث رؤية النظرية العالمية الثالثة للعامل الاجتماعي ( القومي) و دوره كمحرك للتاريخ الانساني ، باعتبار العامل الاجتماعي يشمل في مكوناته " العادات ، و التقاليد ، الاعراف ، المثل ، التاريخ المشترك ، اللغة ، نمط المعيشة ، المعتقدات القيم ، ..الخ" ، ومايز المؤلف بين آراء الماركسية في تطور التاريخ من خلال المادية الجدلية و نظرة آرنولد توينبي حول حركة التاريخ من خلال " التحدي و الاستجابة " ، و بين رأي النظرية التي دعا اليها القائد معمر القذافي و تضمنها الفصل الثالث من كتابه الاخضر التي اعتبر فيها العلاقة القومية علاقة اجتماعية ، و الصراع القومي هو صراع اجتماعي ، وهذا هو طبيعة الحياة نفسها . وحركات التحرر القومي في الوقت الحاضر هي حركات اجتماعية لن تنتهي حتى تتحرر كل جماعة من سيطرة أية جماعة اخرى .
و يحلل المؤلف ذلك باستفاضة موضحا مصاعب استمرار الدولة اذا تعددت القوميات بداخلها ، فتعدد القوميات في دولة قطرية واحدة يؤدي بالضرورة الى مشكلات عدم الاستقرار .
لذلك فالدولة المستقرة المنيعة هي دولة القومية الواحدة ،و القومية هي واقع طبيعي و شعور بالانتماء اليها عفوي و عميق عند ابنائها ، بينما الدولة هي شكل سياسي تنظيمي قسري لشؤون تلك القومية .
و قد شرح المؤلف موقف النظرية العالمية الثالثة من القانون الطبيعي و الدين ، و علاقة ذلك بالقومية و تكونها .و أنهي البحث بتناول مرتكزات البعد القومي في السياسة الخارجية للجماهيرية مقدما امثلة حية شاهدة على ذلك كتوقيع ميثاق طرابلس بين الرئيس جمال عبد الناصر و الرئيس السوداني النميري و الاخ القائد معمر القذافي في 27 دوجمبر 1969 .و اتحاد الجمهوريات العربية في 1971 ، و اعلان الوحدة الاندماجية مع مصر في 1972 ، و المسيرة الوحدوية الى راس جدير في 1973 ، و اعلان جربة الوحدوي القومي في 1974 .. و موقف الجماهيرية من القضية الفلسطينية .. الخ .
كانت تلك هي أهم الأفكار التي حاول المؤلف أن يعرضها في كتابه ، وقد وفق في ذلك بشكل عام ، مع وضوح اللغة التي كتب بها البحث و صرامة التحليل البنائي الذي ارتكز عليه في معالجته للموضوع .
ولكن يمكن الخروج بمجموعة من الملاحظات العامة على الكتاب نختصرها في الآتي :
1 – بالرغم من أن الهدف الرئيس للكتاب ينحصر تحديدا في معالجة الحقيقة القومية وفق منظور النظرية العالمية الثالثة ، الا أن الجانب المتعلق بهذا الهدف لم يتجاوز نسبة 14% من اجمالي صفحات الكتاب ( 26 صفحة من أصل 175 صفحة هي مجموع الكتاب كله ).
2 - عند الحديث عن نشأة القومية العربية ، و مع أهمية المراجع التي استفاد منها ، إلا أنه أهمل إنتاج و تحليلات مؤلفات بعض كبار المنشغلين بفلسفة القومية العربية و كتبوا في ذلك كثيرا مما هو متداول و معلوم ، ومن هؤلاء الدكتور الراحل عصمت سيف الدولة ، صاحب نظرية الثورة العربية بأسسها و غاياتها و منطلقاتها .
3 - عدم بلورة النتائج العامة للبحث و توصياته التي يجب وضعها أمام نظر الباحثين لمواصلة المشوار البحثي من النقطة التي انتهي عندها المؤلف ، و بالتالي كان العرض جسما بلا أقدام ، إن جاز هذا الوصف ، و هو ما حصل مع جهد المؤلف حين قبل هذا الابتسار المخل فانتهي البحث دون نتائج واضحة و توصيات محددة.
4 - نقص المراجع البحثية باللغة العربية ، حيث إن (واحدا و سبعين كتابا هي مجموع الكتب التي أفاد منها الكتاب ) لم تكن كافية ، خصوصا في ظل وفرة المراجع التي عالجت موضوعه ، تكفي فقط الإشارة إلى أن المؤلف لم يستفد من كتاب واحد لمركز دراسات الوحدة العربية ، وهو المركز المستقل ، وشبه الوحيد ، والمهتم بالقومية العربية و قضايا الوحدة و الاستقلال و ينشر حول هذا المواضيع مئات الكتب إن لم تكن آلاف منذ تأسيسه في سبعينيات القرن العشرين ، علاوة على مجلته البحثية المكّمة " المستقبل العربي " التي لم يجد فيها المؤلف مما يخص موضوعه إلا عددين فقط ، رغم أنها تصدر شهريا بشكل منتظم منذ النصف الثاني من السبعينيات .!!
5 - قلة المراجع باللغات الحية ( الانجليزية أو الفرنسية ) لم تتجاوز سبعة كتب و مجلة واحدة ، وهو غير معذور في ذلك ، بالنظر لتوفر الكثير من المراجع ذات العلاقة بموضوعات نشأة الفكر القومي و الدولة القومية في الغرب ، و الرؤية الماركسية للقومية و غير ذلك من الأطروحات التي تعتبر من المواضيع المقتولة بحثا و تنقيبا لدى المفكرين و الباحثين في الجامعات و المؤسسات البحثية .
6 – عدم الإشارة إلى الحل الذي طرحه الأخ القائد بشأن القضية الفلسطينية و ضمنه في كتابه الأبيض و اقترح فيه دولة واحدة متعددة القوميات و الأديان مع حق العودة للاجئين و تفكيك القدرة النووية الاسرائيلية دولة تحمل اسم " إسراطين " .. و كأن الكتاب كان منشغلا بحقبة لا تتجاوز على أبعد تقدير العقد الأخير من القرن العشرين مع خلو الكتاب مما يشير إلى ذلك بتاتا .
7 – الإشارة في قائمة المراجع إلى القانون التأسيسي للاتحاد الافريقي المادتين 3 و 4 مع عدم وروده في متن الكتاب .
0 التعليقات:
إرسال تعليق