بقلم الدكتور أحمد ولد نافع
.ٍإن قصة الشعر في موريتانيا قصة قديمة قِدَمَ تلك الأرض وأهلها..فلقد بذروا بذوره ، وحصدوا ثماره اليانعة شعرًا ظل ينطق بالحكمة والموعظة والبيان الساحر الأخاذْ ، وذلك منذ انتشرت في تلك الربوع والفيافي مدارس العلم (المحاظر) ، وتزايدت أعداد أمهات المراجع الفكرية والثقافية الإسلامية التي هي عماد المناهج التعليمية في جامعات الصحراء المتنقلة ، الشيء الذي أدّى بسرعة متسارعة إلى ظهور فنون الكتابة والـتأليف ، وما يوازي ذلك من الاتساع الأفقي والعمودي للمعرفة بشتى ألوانها وصنوفها.
إنها لوحة " ابستمولوجية" ترتسم في عمق الصحراء وعلى كثبانها وسهولها لثقافة عربية إسلامية تعكسها علوم الأصول ( القرآن الكريم ، الحديث الشريف) ، وعلوم العقائد ( كالأشعرية) ، ومدارس الفقه (أساسا .. المالكية ، بروايتها المصرية الخليلية ) ، وعلوم اللغة الفصحي ( ألفية ابن مالك ومثيلاتها في النحو العربي ، والخطيب القزويني في البلاغة....) ، ومخازن الشعر الرئيسية في معلقات الشعر العربي قبل الإسلام التي بلغت العشر ، وما يضاف إليها من مضامين شعرية في عهد الدعوة الإسلامية الأول ، وكذا فترة الأمويين والعباسيين....الخ
كان ذلك هو المهاد الفكري والثقافي الذي احتضن الذاكرة الشعرية للموريتانيين منذ عشرات القرون الخالية ، ويشهد لهم تاريخهم وآثارهم الباقية على قلتها وضياع أكثرها ، أنهم تحملوا رسالة سامية في إحياء التراث العربي والإسلامي في حياتهم البدوية الأصيلة ، وذلك من خلال اعتزازهم بالاسترشاد والتوثيق لعلم الأنساب وأيام العرب و بطولاتهم .
وقد بلغ من شغف الموريتانيين بعلوم اللغة العربية في صحاريهم وفيافيهم المقفرة الوعرة أن أنزلوها منزلة - أسمى ، ربما- من منزلة الدراسات الدينية والفقهية.ولعل ذلك ما قصده المستعرب الفرنسي المعروف " جاك بيرك" حين أكّد أن "بلاد شنقيط كانت متخصصة في الدراسات اللغوية والأدبية بالمقارنة مع البلاد العربية الأخرى في القرون الثلاثة الأخيرة" ولذلك الاهتمام لم يكن إطلاق صفة "العالم"هينا لدى الموريتانيين ، إذ يشترط فيه الضرب بأسهم في النحو والبلاغة ن علاوة على استظهار المشهور من نصوص الأدب العربي نثرا وشعرا ، وتلك ميزة اختص بها المثقفون الموريتانيون في الأغلب الأعم حتى الآن ، خلافا لنظرائهم وأشقائهم في المشرق والمغرب المتمشرق ، حيث يسود النزوع إلى احترام التخصص الدقيق ، ولقد ظل الدرس اللغوي مهملا في الأزهر الشريف لفترة غير يسيرة حتى أمسك بزمام إدارته الإمام الشيخ محمد عبده ، الذي فاجأته قدرة العلماء الفقهاء الموريتانيين على إتقان اللغة وتوابعها بعد أن تعرّف عليهم عن كثب ، ولهذا لم يتردد لحظة وهو يقوم بتكليف العالم الموريتاني الفقيه محمد محمود ول اتلاميد التركزي ، الذي تفرد بتدريس اللغة العربية في الأزهر سنينا طويلة .
ومن الإسهامات المجمع عليها للعلامة التركزي هي أن النسخة التي لا تزال متداولة حتى اليوم من القاموس المحيط للفيروزأبادي قد صُححت وحققت من طرفه ، بالإضافة إلى تآليفه الفقهية الأخرى المعروفة.
وهكذا يكون قرض الشعر في بيئة صحراوية ، تشبه البيئة العربية في نجد والحجاز ، وتنتشر فيها العلوم والمعارف على النحو المشار إليه ، نوعا من تحصيل الحاصل أو لزوم ما يلزم بالضرورة... ومع ذلك فإن المؤرخين لم يستطيعوا أن يحسموا حتى اللحظة في تحديد تاريخ مضبوط للشعر في هذه البلاد ، ولذلك لا يزال المختلف فيه هو : أين ومتى ولماذا ولد أول نص شعري في موريتانيا؟؟
ولا يخفي أن الصعوبة تكتنف الإجابة ، وذلك بالنظر إلى أن الموريتانيين مثلهم مثل مواطنيهم العرب الذين لا ينشغلون – عادة – بتدوين آثارهم ، إذ يرتكز جلّ اعتمادهم على الحكاية الشفوية و المرويات القولية ، وفي ذلك ما فيه من وفاء لطبيعتهم الشاعرية المتأصلة التي لا تهتم بأكثر من قرض الشعر وترك شوارده تتردد في أصداء الصحراء الفسيحة . وبالرغم من ذلك ، فإن بعض المثقفين الموريتانيين قد اجتهدوا في محاولة تحديد أول نص شعري في موريتانيا ، وفي مقدمة هؤلاء الأستاذ الخليل النحوي في " منارته ورباطه" الصادر في ثمانينيات القرن الماضي عن المنظمة العربية للتربية و الثقافة و العلوم ، حيث يكاد يجزم أن أول نص شعري عثر عليه على أديم هذه الأرض هو قصيدة توسلية دينية للفقيه الولي الشاعر " محمد قلي ولد ابراهيم" ، الذي هو أحد بناة شنقيط الثانية حوالي 650 للهجرة ، وفيها يتوسل الفقيه الشاعر محمد قلي إلى الله سبحانه وتعالى أن يرزق ساكنة شنقيط من الغيث ، وتجمع الروايات الشفوية المتوارثة منذ ثمانية قرون أن الله استجاب لدعوته فنزل مطر من القمح في منزله ، استطاع منه أن يموّن شنقيط في ذلك العام !!
والقصيدة المذكورة تقع في أزيد من أربعين بيتا من بحر البسيط وفيها يقول:
الحمد لله مادام الوجود له *** حمدا يبلغنا من الرضا أبــــدا
ثم الصلاة على خير الورى أحمدا *** وآله الكرما وصحبه الزهـــــدا
يارب هيء لنا من أمرنا رشـــــدا *** واجعل معونتك الحسنى لنا مـــددا
وقد كانت تلك القصيدة ومضامينها الأدبية والبلاغية موضوعا لأحد بحوث التخرج في قسم اللغة العربية بكلية الآداب و العلوم الإنسانية في جامعة انواكشوط قبل سنوات .
إن ذلك الأنموذج يوضح أن الموريتانيين قد تعايشوا تاريخيا مع القافية الخليلية ونسجوا على منوال أبحرها أشعارهم وأوزانهم المقفاة.
وإن كانت الأغراض الشعرية المألوفة قد بدأت خجولة - على حد تعبير الباحث الكبير الراحل أحمد ( الملقب جمال) ولد الحسن- في بداية الأمر ، نظرا لثقافة التدين الشديد والزهد والورع المنتشر الذي لا يقبل من الشعر إلا في نطاق مدح النبي صلي الله عليه وسلم أو التوسل إلى الله عزو وجل في الملمات ، وذلك على اعتبار الأغراض الأخرى " مستقبحة" وخصوصا غرضي الغزل والهجاء ، ولذلك فليس بالمستغرب في وسط معرفي كهذا أن تنزل قبيلة شهيرة العقاب الأليم بأحد أبنائها جزاءا وفاقا على بيتين قرضهما من " الغزل العفيف"! وقد حدث ذلك خلال القرن الحادي عشر الهجري . ويشير ابن بنان البرتلي مؤلف كتاب " فتح الشكور في معرفة أعيان وعلماء التكرور" إلى أن من مناقب أحد أشياخه ، أنه لم يقل من الشعر إلا قصيدتين تأسيا بالسنة!!
وذلك نظرا إلى أن ابن أبي زيد القيرواني ، الذي تعدّ رسالته في الفقه المالكي إحدى ضرورات التفقه في البلاد الشنقيطية ، قد حذّر من " الإكثار من الشعر أو الانشغال به".
ويظهر من استقراء وتتبع الإنتاج الشعري لدى الموريتانيين في تلك القرون السحيقة ، أنه كان جزء ثانويا من نشاط الفقهاء على هامش اهتماماتهم الرئيسية بعلوم الأصول والفقه الإسلامي ، ولذلك كان الشعر لديهم يأتي في شكل مقطوعات مديحية أو توسلية يحرصون على سلامة وزنها وقافيتها فقط .
ولهذا ، فإن بعض المنشغلين بتحقيب تاريخ الشعر في موريتانيا توصل إلى أن البداية الحقيقية المتواصلة لم تبدأ إلا من بداية النصف الثاني من القرن السابع عشر الميلادي كما يري ذلك العلامة الدكتور محمد المختار ولد اباه في تناوله للشعر والشعراء في موريتانيا.
وتأسيسا على ذلك ، فإن الشعر سرعان ما تألق نجمه وتصاعدت وتيرة إنتاجه وتسويق إبداعه في تلك البلاد ، بل وانتقل تعلمه نقلة نوعية كبرى مع عمالقة عظام من كبار الشعراء الأفذاذ ، مثل ابن رازكه ( المتوفي 1143 هــ ، وقد ترجم له فتح الشكور في الصفحة 163 ، والوسيط : ص1) ، والشاعر محمد اليدالي (المتوفي 1166 هــ ، وترجم له فتح الشكور ص 123 ) ، كما ألف العلامة النابغة القلاوي " السد العالي في مناقب اليدالي ".
وإن كانت الأغراض الشعرية المألوفة قد بدأت خجولة - على حد تعبير الباحث الكبير الراحل أحمد ( الملقب جمال) ولد الحسن- في بداية الأمر ، نظرا لثقافة التدين الشديد والزهد والورع المنتشر الذي لا يقبل من الشعر إلا في نطاق مدح النبي صلي الله عليه وسلم أو التوسل إلى الله عزو وجل في الملمات ، وذلك على اعتبار الأغراض الأخرى " مستقبحة" وخصوصا غرضي الغزل والهجاء ، ولذلك فليس بالمستغرب في وسط معرفي كهذا أن تنزل قبيلة شهيرة العقاب الأليم بأحد أبنائها جزاءا وفاقا على بيتين قرضهما من " الغزل العفيف"! وقد حدث ذلك خلال القرن الحادي عشر الهجري . ويشير ابن بنان البرتلي مؤلف كتاب " فتح الشكور في معرفة أعيان وعلماء التكرور" إلى أن من مناقب أحد أشياخه ، أنه لم يقل من الشعر إلا قصيدتين تأسيا بالسنة!!
وذلك نظرا إلى أن ابن أبي زيد القيرواني ، الذي تعدّ رسالته في الفقه المالكي إحدى ضرورات التفقه في البلاد الشنقيطية ، قد حذّر من " الإكثار من الشعر أو الانشغال به".
ويظهر من استقراء وتتبع الإنتاج الشعري لدى الموريتانيين في تلك القرون السحيقة ، أنه كان جزء ثانويا من نشاط الفقهاء على هامش اهتماماتهم الرئيسية بعلوم الأصول والفقه الإسلامي ، ولذلك كان الشعر لديهم يأتي في شكل مقطوعات مديحية أو توسلية يحرصون على سلامة وزنها وقافيتها فقط .
ولهذا ، فإن بعض المنشغلين بتحقيب تاريخ الشعر في موريتانيا توصل إلى أن البداية الحقيقية المتواصلة لم تبدأ إلا من بداية النصف الثاني من القرن السابع عشر الميلادي كما يري ذلك العلامة الدكتور محمد المختار ولد اباه في تناوله للشعر والشعراء في موريتانيا.
وتأسيسا على ذلك ، فإن الشعر سرعان ما تألق نجمه وتصاعدت وتيرة إنتاجه وتسويق إبداعه في تلك البلاد ، بل وانتقل تعلمه نقلة نوعية كبرى مع عمالقة عظام من كبار الشعراء الأفذاذ ، مثل ابن رازكه ( المتوفي 1143 هــ ، وقد ترجم له فتح الشكور في الصفحة 163 ، والوسيط : ص1) ، والشاعر محمد اليدالي (المتوفي 1166 هــ ، وترجم له فتح الشكور ص 123 ) ، كما ألف العلامة النابغة القلاوي " السد العالي في مناقب اليدالي ".
وكانت الأغراض التي اهتم بها أولئك العظام هي : المدح والرثاء والألغاز العلمية والمساجلات الفقهية ، إذ يري الباحث أحمد ولد الحسن: "أن ابن رازكة هو أول من وصل حبل الشعر الشنقيطي بسنة أثيرة من سنن الشعر العربي ألا وهي المقدمة الغزلية" .
أما الشاعر العملاق محمد اليدالي ، زميل ابن رازكه وصديق طفولته ، فهو علاوة على كونه كان شاعرا ، فهو فقيه من الطراز الأول ، ومتكلم بارع ومؤرخ ومتصوف ، ويحتوي ديوانه الشعري الذي نشر أزيد من 1300 بيت شعري في كل المدح والرثاء والفخر والابتهال ،وهو أول شارح لشعره ، ومن أشهر قصائده تداولا بين الكافة قصيدته " صلاة ربي" ، ومطلعها:
صلاة ربي مع السلام *** على حبيب خير الأنام
وله أيضا قصيدة أخرى تتشابه من ناحية سبكها مع الموشحات الاندلسية وفيها:
ربّ بجاه أحمدا *** أفضل خلق الخالق
ارزق سعيدنا الهدى *** يا خير هــاد رازق
سدد واصلح أمره *** يا رب واشرح صدره
وارفع دواما قدره *** بأكرم الخـــلائق
وقد شهدت الحركة الشعرية في موريتانيا أزهي مراحلها خلال القرنين الثاني والثالث عشر حيث أينعت الحركة الأدبية في موريتانيا على نحو غير مسبوق، وذلك على عكسا لواقع الحال في المشرق العربي الإسلامي ، الذي كان يئن تحت وطأة تداعيات التدهور والانحطاط والركاكة ...حيث استطاع الموريتانيون إحياء شكل القصيدة العربية القديمة ، وذلك ما جعلهم يتساكنون مع أجزل مستويات المعجم العربي وأصعبها قوة وأعمقها معنى وهو المعجم العربي الجاهلي.
وفي حين يثبت مؤرخو الأدب العربي أن محمود سامي البارودي ( الذي ينحدر من أسرة شركسية الأصل ) ،هو أول من ردّ الديباجة الشعرية إلى صفائها الأول ، وأنه صاحب الفضل الكبير في تجديد أسلوب الشعر وإنقاذه من وهدة التكلف العقيم . إلا أن أحمد ولد الحسن يري أن المجددين الموريتانيين كانوا أسبق من " البارودي" بكثير من الزمن إلى مضامين التجديد المشار إليه . ويعزز أحمد ولد الحسن تحليله بمعطيات التاريخ غير القابلة للنقض أو التشكيك ، حيث إن الشاعر الموريتاني امحمد ول الطلبة اليعقوبي ( محي الشعر الجاهلي ومعارض الأعشى وحميد و الشماخ ) وهو القائل مقولته الشهيرة :" أرجو من الله أن أقعد أنا و الشماخ بن ضرار في ناد من أهل الجنة وننشد بين أيديهم قصيدتينا لنعلم أيهما أحسن "!!! وكان ولد الطلبه هذا قد ولد عام 1774 م أي قبل ميلاد البارودي بـ64 سنة ، وتوفي في سنة 1865 ، والبارودي حينها لم يتجاوز السن الثامنة عشرة فقط ، وهو ما يعني أنه مات قبل ميلاد شوقي ( أمير الشعراء) بــ 13 نسة تقريبا .
إن ذلك مجرد مثال واقعي ، من أمثلة أجلّ من الحصر ، يفيد لمن يريد ألا يتشابه عليه الحكم أن الموريتانيين قد بدأوا عملية إحياء الشعر الجاهلي و الاندلسي قبل مدرسة الإحياء في المشرق العربي ، ولكن جهودهم بقيت ضحية "مؤامرة صمت" كما يقول أحمد ولد الحسن .. ونضيف على ذلك أنها ربما كانت ضحية مؤامرة جهل ، والجهل أكبر المتآمرين!!
إن جهود الموريتانيين الشعرية دلت عليها آثارهم القليلة ، التي تشي بحجم إنتاجهم الغزير المطمور بين الرمال ، و التي تحوى إبداعا زاخرا بالتنوع الدلالي والتأويلي لمن يرغب في دراسته وتحليله .
وفي هذا السياق من الوعي بعلاقة الموريتانيين بالشعر تتنزل المقولة الخالدة أن موريتانيا بلاد المليون شاعر ، وذلك ما يدركه كل من يأتي إلى موريتانيا ، وهو ما فاجأ الوفد الإعلامي لمجلة العربي الكويتية ، حيث كان الشعر ضمن طقوس الضيافة لدى الموريتانيين وهم يقابلون زائريهم من إخوتهم العرب في الستينيات من القرن السابق وقبل أن تدخل بلادهم إلى الجامعة العربية ، كما أن الغرابة نفسها عكسها أسعد طه في زيارته لموريتانيا ضمن برنامج يعده لقناة الجزيرة الفضائية حيث استقبله طلاب إحدى المحاظر بقصيدة ترحيبية لم يملك إلا أن يؤكد حقيقة أن هذه البلاد بلاد المليون شاعر!
ولقد بدأت المؤسسات العربية المنشغلة بتدوين الإنتاج الشعري العربي مثل مؤسسة البابطين بتضمين معجمها لأسماء شعراء موريتانيين معاصرين من أمثال أحمدو ولد عبد القادر ومتنبي موريتانيا ناجي محمد الامام ومحمد كابر هاشم ومحمد الحافظ ولد احمدو وغيرهم من الذين لاتزال اسماؤهم لامعة في سماء موريتانيا الشعرية حتى الوقت الراهن.
وفي هذا السياق من الوعي بعلاقة الموريتانيين بالشعر تتنزل المقولة الخالدة أن موريتانيا بلاد المليون شاعر ، وذلك ما يدركه كل من يأتي إلى موريتانيا ، وهو ما فاجأ الوفد الإعلامي لمجلة العربي الكويتية ، حيث كان الشعر ضمن طقوس الضيافة لدى الموريتانيين وهم يقابلون زائريهم من إخوتهم العرب في الستينيات من القرن السابق وقبل أن تدخل بلادهم إلى الجامعة العربية ، كما أن الغرابة نفسها عكسها أسعد طه في زيارته لموريتانيا ضمن برنامج يعده لقناة الجزيرة الفضائية حيث استقبله طلاب إحدى المحاظر بقصيدة ترحيبية لم يملك إلا أن يؤكد حقيقة أن هذه البلاد بلاد المليون شاعر!
ولقد بدأت المؤسسات العربية المنشغلة بتدوين الإنتاج الشعري العربي مثل مؤسسة البابطين بتضمين معجمها لأسماء شعراء موريتانيين معاصرين من أمثال أحمدو ولد عبد القادر ومتنبي موريتانيا ناجي محمد الامام ومحمد كابر هاشم ومحمد الحافظ ولد احمدو وغيرهم من الذين لاتزال اسماؤهم لامعة في سماء موريتانيا الشعرية حتى الوقت الراهن.
ومع المكانة التي يحتلها الشعر في قلوب وعقول الموريتانيين ، فإن أهله لا ينصرفون لتدوينه وتوثيقه ، إلا نادرا ، وفي ظروف استفزاز علمي خاصة ، مثل تلك التي أشار إليها العلامة الشنقيطي أحمد ولد الأمين في زيارته لقاهرة المعز حين فاجأ القوم المصريين في بداية القرن العشرين بفصاحته ولغته الجزلة الشاعرية فتساءلوا في استغراب لا يخلو من تهكم : هل يوجد في بلادكم أدب وشعر ؟ فلم يجبهم إلا بعد شهر حين جاءهم وهو يحمل مسودة كتابه الأشهر : " الوسيط" الذي احتوى أزيد من عشرة آلاف بيت مع ترجمة ضافية لشعراء مدونته ونبذ وافية عن الحياة الفكرية والاجتماعية والثقافية ....وكل ذلك مما وعته ذاكرته فقط!!!
وللمرء أن يتصور انه لولا ذلك الموقف " الاستفزازي" الذي تعرض له الشيخ الشنقيطي ، لربما ضاع ، ومن شبه المؤكد أن يضيع ، شعر وعلم كثير ينتهي بوفاته ، ولكن حظ الأجيال الآتية كان كبيرا فيما يبدو. وينبغي أن يقال بصراحة أن المؤلفات عن الشعر وأهله في بلاده محدودة جدا ، إن لم تكن منعدمة ، رغم وجود ثروة معرفية لامتناهية . ولعل ذلك ما يتطلب ذهنية أخرى وإرادة أخرى إن لم يكن الحاضر والماضي من همومها فليكن مستقبل أجيال لا تزال في علم الغيب ، ولاشك أن تلك الأجيال ستكون في شوق كبير لمعرفة ماضي أهلها - خصوصا حين يقال لهم أنتم من بلاد المليون شاعر - بكل مكوناته الفكرية والاجتماعية والأدبية . وإن لم يدوّن لها ذلك التاريخ ، فإنها لن تتردد في التحلل منه إن كانت منصفة ، أو لعنه والدعاء عليه إن كانت غير ذلك وفي كل الأحوال فإن المنشغلين بهموم الفكر والثقافة يعطونها المبرر التاريخي في المواقف التي ستتبناها تلك الأجيال لاحقا ..
* نشر في مجلة فضاءات - طرابلس - ليبيا -2008
* نشر في مجلة فضاءات - طرابلس - ليبيا -2008
1 التعليقات:
إذا كانت الألوية ترفع لبث الفخر.
فأنا أفتخر أن استظل بلواء فكر صديقي واخي ومعلمي الذكور . أحمد ولد نافع.
جعلك الله نافعا ابدا ونفع لك.
فرج الزياني _ طرابلس - ليبيا.
إرسال تعليق