بقلم/ الدكتور أحمد ولد نافع
باحث و أكاديمي
لقد
كان حبوري عارما منذ سنوات حين اطلعت على نسخة
من كتاب الخبير الدولي و الأستاذ الدكتور علي تراوري عن الشيخ أحمد حماه الله الشريف باللغة
الفرنسية أثناء مشاركتي ومتابعتي لأعمال معرض القاهرة
الدولي للكتاب في فبراير 2006 ، و تأسفت أنها لم تحظ - حتى تاريخه - بذيوع و انتشار إلا في نطاق
نخبوي محدود و لدى بعض الأوساط الأكاديمية التي تتابع ما ينشر
بالفرنسية ، أما جمهور القراء العاديين الذين يفترض أن الكتاب موجه إليهم بشكل أو بآخر
بالنظر لموضوعه و مضمونه ، فإنهم لن يتمكنوا من الاستفادة من هذا الكتاب القيم ،
الذي تطور من أصله كأطروحة لنيل درجة الدكتوراه في التاريخ في جامعة الشيخ انتا جوب
السنغالية في السبعينيات ، إلى كتاب قيّم أضاف إلى الأبحاث الرصينة المهتمة ببعض
جوانب جدلية التاريخ الاستعماري و
المقاومة في افريقيا ، و تحديدا في غرب افريقيا ، و هي جوانب تظل بحاجة الى المزيد
من الأبحاث العلمية الجادة ذات النفس التحليلي الموضوعي المعمّق مثل ما فعله
الدكتور علي تراوري في كتابه الذي نغتبط به الآن .
وقد كانت مفاجئة سارة حين أعلمني أخي الباحث
الأستاذ الدكتور البكاي ولد عبد المالك ( أبو عطاء) ، أستاذ الفلسفة في الجامعات الليبية و
الموريتانية سابقا ووزير التعليم العالي حاليا، بتكليفه من الاخوة في جمعية الدعوة الاسلامية العالمية في ليبيا في سنة 2010 بتعريب
الكتاب و أطلعني عليه ، و ذلك لمعرفتي بجديته البحثية و صرامته العلمية في الترجمات التي أتحف بها
المكتبة العربية حتى الآن ، و التي شكلت
مصدرا معرفيا زاخرا أبانَ عن ما يتمتع به
الدكتور البكاي عبد المالك من قدرة معرفية فائقة على امتلاك ناصية اللغتين ، سواء تلك التي ينقل منها "
الفرنسية " أو " لغة الضاد " التي ينقل إليها.
و يحمد للأخ الدكتور البكاي ولد عبد المالك أنه بهذا الجهد الكبير أتاح مادة
تاريخية مهمة للدراسة و التحليل للمهتمين في إفريقيا بدراسة ظاهرة الشيخ حماه الله في
مقاومته للاستعمار الفرنسي ، وهو ما يتطلب الأناة و المثابرة على النحو الذي قام
به مؤلف الكتاب .
و كما سيرد بشكل مفصل في جوانب داخل متن الكتاب لقد كان الشيخ حماه الله مثالا ، باعتراف الوثائق الاستعمارية الفرنسية ذاتها ، للشيخ الصوفي ، و العالم المجاهد الذي لا تأخذه في الله لومة لائم ، و يبدو أن هذه
الجوانب من شخصيته فاجأت الفرنسيين على نحو كبير ، و ربما جعلتهم يختارون - ربما - الأسلوب الخاطئ
في التعامل معه أي أسلوب" الصّدام
" المباشر ، وذلك ما جعل الشيخ أحمد حماه الله تلقائيا يقف في صف المقاومة و الجهاد ، هذا الأخير الذي
صنعه إلى جانب شخصيات جهادية إفريقية كبيرة مثل الحاج عمر بن سعيد الفوتي و الأمير
عبد القادر الجزائري ، و شيخ المجاهدين في ليبيا عمر المختار ، وساموري توري ،
وغيرهم كثير ..
و هكذا تعرض شيخنا حماه الله للسجن في أماكن مختلفة من الغرب الافريقي و النفي داخل
القارتين الافريقية و الأوروبية ، وكذلك أتباعه التيجانيون الحمويون الذين عذبوا
سنوات طويلة في معسكرات الاعتقال الجماعي في مناطق مختلفة من موريتانيا و شمال مالي ، و اغتيل إثنين من
أبنائه ( بابَ و الشيخ سيدي أحمد) و كبار الشخصيات الاجتماعية
القبلية المحسوبة عليه في منطقة التخوم المالية الموريتانية ، و هدمت زاوياه الصوفية حيثما كانت ، و شرّدت أسرته ، وبات
التعاطف معه تهمة مؤدية للاعتقال و التعذيب ، ،، الخ .
كلّ تلك الصعاب و الابتلاءات لم تفت في عضده
شيئا ، كما تشهد بذلك الوثائق الاستعمارية الفرنسية ، و ظل ثابتا صامدا كالتمثال ،
في سبيل مواقفه ، رمزا للإيمان و التضحية و الفداء .
إن مسيرة خليفة التيجانية شيخنا حماه الله ، كما عكستها مواقفه منذ
بداياته الأولى في إحدي مدن السودان الغربي " مدينة نيورو – الساحل "
إلى منفاه الأخير ومستقره في "
مونتلصون " قرب العاصمة الفرنسية باريس
في أثناء حكومة الجنرال " فيشي " العميلة للاحتلال النازي لفرنسا في
الحرب العالمية الثانية ، جديرة بأن توضع تحت أضواء " علمية " كاشفةٍ
لعلها تجيب على بعض الأسئلة المعلقة منذ اعتقاله و نفيه النهائي الأخير ، وماجري
من تطورات ومضاعفات أثّرتْ على طريقته و أتباعه و مريديه الذين منهم من ينتظر عودته ، ولو
بعد حين من الدهر .
و قد حاول الدكتور تراوري أن يدرس ، بشكل علمي
منهجي أصيل ، كافة تلك الملفات الشائكة في ضوء ما أتيح له من مصادر ومعطيات مختلفة
المشارب و الاتجاهات ، و ما كان له أن يكتب كل ذلك ، إلا بعد أن اطلع على عشرات
الوثائق و التقى عديد الشخصيات و الشهود الأساسيين للأحداث سواء في موريتانيا أو
مالي أو السنغال أو ساحل العاج أو فرنسا .
و إجمالا ، لا يمكن إغفال الإشادة بجودة اللغة
التي تم بها تعريب الكتاب و دقتها التعبيرية ، حيث لم تغرق في اللغة النخبوية
المفرطة في التعالى ، إن صحت العبارة ، لأن المترجم أراد أن تتسع دائرة القراء
لهذا السفر العظيم الذي أطعمته الترجمة بمحسّنات فلسفية جمالية أخاذةٍ لا شك
أنها ستزيد من التشويق للموضوعات التي تناولها المؤلف .. و هنيئا لنا معشر
القراء بهذا الكتاب القديم الجديد الذي يعيد طرح ظاهرة الشيخ أحمده حماه الله و
الحموية من جديد إلى دائرة الاهتمام و النقاش ، ويعتبر إضافة نوعية للمكتبة
العربية و الافريقية دون أدنى شك ..
و الله الموفق للصواب
5 التعليقات:
الحمد لله رب العالمين ,أيها الاخ ولد نافع لقد أثلجت والله قلبي ,إن هذا قيم في بابه ,وإن كنا نرى عليه بعض المآخذ ,ونعتذر له لأنه لم يكن من أهل الطريقة ,ولكن أوكد ثانيا أنه الكتاب قيم ,ولقد كنت أتلهف على أن يترجم إلى العربية ليستفيد منها خصوصا إخواننا الحمويون الذين لا يجيدون أو لا يعرفون اللغة الفرنسية ,حتى بدأت بترجمة بعض فصولها المهمة رغم بضاعتي المزجاه في الفرنسية ,ولكن الحمد لله على هذا لخبر السار,والله يكتب لها الظهور إلى عالم المطبوعات والانتشار في مكتبات الحمويين ,والسلام ssamassi@gmail.com
شكرا أيها الاخ الكريم على هذا الخبر السار ,والله يكتب لها الظهور والانتشار لنفع الاخوان
الأخ اسماعيل ..أهلا وسهلا بك ..أشكر لك الاهتمام و مواكبة ما تنشره المدونة المتواضعة ..و نرحب بكل الآراء وخصوصا المستدركة أو الناقدة ، التي نفتح لها المجال واسعا دون مصادرة بل بصدر رحب كما ترى..شرطنا الوحيد هو تحمّل المسؤولية و الاحترام ..و نجدد الترحيب بك و بآرائك سواء في هذا الموضوع " الحموية" أو القضايا و المسائل الأخرى المختلفة ، و حبذا لو استعرضتم - ولو باختصار - مآخذكم على الكتاب المذكور لتعميم الفائدة..و السلام عليكم
شكرا أخي وبشرك الله بخير
اخي المكرم أبايتي ..حياكم الله و بياكم. شرفتمونا بهذا المرور العطر..
إرسال تعليق