31 أغسطس 2015

مراجعة تحليلية لكتاب " أجراس الرعب من التكفير إلى التفجير"

 بقلم  د. أحمد ولد نافع
باحث و أكاديمي  بجامعة العلوم الإسلامية بالعيون.


   صدر مؤخرا للأخ الصديق و الكاتب الإعلامي الموريتاني سيدي محمد بن جعفر كتاب بعنوان : " أجراس الرعب من التكفير إلى التفجير" . حيث قسّم المؤلف منهجيا كتابه إلى : تمهيد ، و أربعة فصول ، و خاتمة .



لماذا مدارسة التكفير
    لا يمكن النظر إلى توقيت إصدار الكتاب من باب الصدفة  ، بل تبرز أهميته في ظل التحديات المتعاظمة  - على الأقل إقليميا - في دول  منطقة الساحل و الصحراء شمالا   و جنوبا، خصوصا تنامي دور التنظيمات المسلحة مثل بوكو حرام في نيجيريا ذات الولاء المعلن لتنظيم داعش في الموصل برئاسة أبوبكر البغدادي ، علاوة على الحركات الجهادية المسلحة الأخرى التي توالدت كالفطريات في السنوات الأخيرة في أنحاء مختلفة من الصحراء الكبرى ، الشيء الذي يجعل من الأهمية بمكان ، سواء بالنسبة لصناع القرار أو للمهتمين ، القيام بتحليل أبعاد ظاهرة التكفير التي استحالت إلى تفجير في أكثر من مكان!.
   ومنذ البداية يفصح المؤلف عن غرضه من التأليف بعد وصول الأمة إلى حافة الانتحار الجماعي ، و ذلك ربما ما دفعه للاستئناس بقراءة بعض موضوعات و قضايا و أحداث العصور الثلاثة  باعتبار أحداثها السياسية و نقاشاتها الفكرية رسّختْ فكرَ التكفير ، الذي يتم به تدمير الأمة وتفجيرها مرة بعد مرة حتى الوقت الراهن بحسب المؤلف.
   مع أن البعض يتصامم عن ذلك معللا ظهور الجماعات المتطرفة بغياب الديمقراطية  و فشل النخب الحاكمة في الوطن العربي و إفريقيا في ترسيخ دعائم دولة القانون و العدل و المساواة و تكافؤ الفرص للجميع.

التكفير ليس وليد اليوم
    ومن المسائل الهامة التي ألقت بظلالها في قضية التكفير هي إشكالية الصحابة ، تعريفا و دلالةً ، حيث يرى أن هذه المسألة  ليست جزء من الإيمان ، فمعرفة الصحابة فضيلة  و جهلهم لا يضر المسلم شيئا ، كما رفض المؤلف خلط البعض بين المفهومين اللغوي و الشرعي للصحبة ، معتبرا أن الصحبة اللغوية تشمل كل معاصري النبي الكريم حتى من الكفار و المشركين ، أما الشرعية فتشمل معاصري المرحلة المكية و حتى صلح الحديبية، و مرحلة التابعين بإحسان تالية لذلك بتوفر اشتراطات قرآنية معروفة ،  ثم انتقد المؤلف البعض ممن فرضوا تقليد آرائهم على الأمة جمعاء مفرقينها بين سنة و شيعة و خوارج و جهمية و معتزلة ..و شيعة و إباضية ،،،الخ متجاوزين التسمية القرآنية للجميع بأن سماهم " مسلمين " ، و هذا ما ولّد التعصب المذهبي و الطائفي الذي يرتكز على الإلغاء للآخر و إقصائه و تكفيره و استباحته. إن موضوع الصحابة تلاعبت به السياسة في التاريخ الاسلامي إذ ربطت الإيمان و الكفر به  .
و اعتبر المؤلف أن ما بعد العهد الراشدي كان تدشينا حقيقيا لسلطة الاستبداد ، في العهدين الأموي و العباسي ، مستعرضا بعض الشواهد التاريخية على ذلك  من العنف المجاني الأعمى في حق المخالفين ، رغم الاستثناءات التي لا يقاس عليها ، في عهدي عمر بن عبد العزيز ( أموي) ، و المهتدي ( عباسي).
و في محاولة من المؤلف لنقض محاولة التكفيريين الغُلاة تأصيل ما يقومون به ضمن مفهوم الجهاد ، فرّق بين جهاد القرآن و جهاد السلطان  ، واضعا جزء كبيرا مما يسمى الفتوحات ما بعد العهد الراشدي ضمن الأخير وهو جهاد المال و الثروة و الغنيمة.. بينما الأول حصري لصد العدوان  أو رفع الظلم عن مستضعف.
و يعتبر المؤلف أن ما تقوم به الجماعات التكفيرية من رفع شعار جهاد المخالف هو امتداد طبيعي لجهاد السلطان لا جهاد القرآن.

مجموعات جهادية أم هواة رعب
و يري أن نمو هذه الجماعات قد بدأ يتعزز مع تراجع المشروع القومي العربي بعد جمال عبد الناصر و الإفادة من البيئة التي وفرها خصوم الناصرية لنمو هذه الجماعات الذين أفادوا من ركوب موجة الجهاد ضد المعسكر الشرقي ( الاتحاد السوفيتي) في ثمانينيات القرن الماضي وما تلقوه من تسهيلات دعائية و موارد مالية كبيرة مكّنتهم من جذب الشباب العربي و الشباب المسلم لهم ، و هكذا بدأوا في تطبيق أفكارهم و رؤاهم الدينية ، الشيء الذي سيعجل من صدامهم مع الأنظمة الحاكمة في أكثر من دولة عربية .
و كانت تجربة سنوات الرعب  و الدموع في الجزائر مثالا واضحا على عنف هذه الجماعات التي وفرت بيئة دموية نازفة ومريرة كانت لها تأثيراتها على مختلف المجالات.
أما موريتانيا التي أفرد لها المؤلف حيزا مهما في الكتاب ، فإن فشل تكفيريي الجزائر في مشروعهم الدموي ، و هروبهم و احتمائهم بالصحراء الكبرى و مجاباتها الفسيحة جعلهم يلتقون مع أترابهم من الشباب الموريتاني المنفعل بفقه الأشرطة بعد أن كان فقه المحظرة يحاصر طموحه الجهادي على حد تعبيره.
و  هكذا ولدت مجموعات " جهادية " موريتانية متأثرة بأدبيات الجماعة السلفية للدعوة و القتال الجزائرية ، وبالتالي اعتبرت تنظيمات " المرابطون"  في سنة 2000  و " الجماعة الموريتانية للدعوة و القتال" المفككة في سنة 2005 ، مجرد رجع صدى للجماعات التكفيرية التي نازلت الجيش الموريتاني في عمليات " عسكرية" متتالية ، مثل : معركة لمغيطي ( أو بدر شنقيط بحسب التكفيريين) التي كانت نتيجتها مقتل  15 جندي بينهم قائد الثكنة  وهو ضابط برتبة نقيب ، و 15 من الجرحي ، و أسر 30  ، بينما فقد التكفيريون ستة من عناصرهم . و بعد قتل التكفيريين للسياح الفرنسيين في مدينة ألاق ،  شنوا هجوما على دورية عسكرية موريتانية  في منطقة الغلاوية شمال البلاد  فقتلوا ثلاثة و غنموا سيارتهم و ذخيرتهم. أما في سنة 2008 فقد هاجموا من جديد مفرزة للجيش الموريتاني في  بلدة تورين (80 كلم شرقي الزويرات).
ومع أن الجيش الموريتاني رد في ضربات استباقية على معاقل المجموعات المسلحة في صحراء مالي المجاورة، و اشتبك معهم في غابة واغادو ( بعمق 50 كلم في الأراضي المالية ) مع اختلاف الروايات عن الخسائر المتبادلة بين الطرفين ، فإنه لم يمضي وقت طويل بعد ذلك حتى عاودت الجماعات التكفيرية المسلحة الهجوم على قاعدة عسكرية للجيش الموريتاني قرب مدينة باسكنو في  أقصي الشرق  الموريتاني ( على بعد 1400 كلم إلى الجنوب الشرقي من العاصمة انواكشوط ) ، و قد أعلن مصدر عسكري موريتاني تدمير سيارتين للمهاجمين من مجموع عشرين سيارة عابرة للصحاري  و مقتل ما بين 15 و 20 من المهاجمين  و اعتقال 9 آخرين ..
و استعرض المؤلف عينة من الشباب الموريتاني ممن وقعوا ضحية لأجراس الرعب التكفيرية فتفجروا " أشلاء "! و من خلال عرض نُبَذٍ عن سيرهم يتضح تنوعهم الاجتماعي و الفئوي و الجهوي الموريتاني ، فكانوا من كل المجموعات القبلية و الفئوية و الجهوية الموريتانية ، الشيء الذي يظهر إلى أي حدّ تغلغل فكر الغلو و التشدد ووجد صدى محسوسا في موريتانيا و لا يزال الشباب وقودا لهذه التنظيمات المنحرفة ، سواء في معاقلها في الصحراء الكبرى ، أو مشاركا في عملياتها في سوريا و ليبيا على سبيل المثال لا الحصر.

نقاط قوة و نقاط ضعف
و من باب الإنصاف فإن الكتاب قد انطوي على نقاط قوة عديدة لعل منها :
 1 –  تطرقه للموضوع في هذه اللحظة التاريخية الفارقة التي بدأت المجموعات التكفيرية تدق بأجراس رعبها أكثر من مكان في الإقليم ، و ربما تكون لوحة الغلاف التي تظهر الدول المغاربية الخمسة و هي في خلفية مشتعلة بسبب تمدد هذا الفكر التكفيري المتغول تعبيرا صادقا و مختصرا عن المخاطر الحالية و المستقبلية التي توجد فيها شبه المنطقة.
2 – كونه استطاع  تقديم عرض كرنولوجي شمولي حول نشوء و تمظهرات المجموعات المسلحة  في الجزائر و موريتانيا ، و يوميات معارك هذه المجموعات  خصوصا في الحالة الموريتانية.
3 – أن المؤلف قام بتوظيف خلفيته الإعلامية في عرض وجهة نظره ، و هذا ما جعله يكتب بأسلوب سهل ممتنع لا يخلو من تشويق و إثارة في بعض الأحيان.

و لأن من ألّف فقد استُهدف كما يقال ، فلم يسلم الكتاب من نقاط ضعف بينة ، يمكن التنبيه على بعضها:
1 – عدم ضبط عنوان الكتاب بشكل دقيق لا يكتفي بالإجمال و العمومية ، إذ كان يمكن تنزيل العنوان و تقييده بجعله دراسة تطبيقية و جزئية للجماعات التكفيرية في دولة أو في إقليم محدد.. أو على الأقل التناغم مع الخلفية المغاربية للغلاف و تتبع الحالة التكفيرية على مستوى دول المغرب العربي الخمسة ، و ليس الاقتصار فقط على الجزائر و موريتانيا ، رغم أن تونس و ليبيا – أيضا - باتتا مسرحا للفعل التكفيري التفجيري صناعة و تسويقا في السنوات الأخيرة ما بعد سنة 2011 على الأقل..و هذا ما كان سيوفر مادة خصبة للتحليل و النقاش لحساب التداعيات و المخاطر المختلفة التي تواجه الإقليم المغاربي و تأثيراتها على شمالي البحر الأبيض المتوسط و جنوبي الصحراء الكبرى ، هذه الأخيرة التي غدت مسرحا مفتوحا ، و على نحو استعراضي ،  لجماعة بوكو حرام وشقائقها  منذ بعض الوقت.
2-  إسهاب المؤلف في استصحاب التاريخ الإسلامي ، و خصوصا أحداث الفتنة الكبرى و التركيز علي تفاصيلها -  بشكل يبدو مبالغا فيه أحيانا - كاد أن يحيل الكتاب إلى مرجع في التاريخ ، رغم أنه من المفهوم إلى حدّ معين التأصيلُ لفِكرِ التكفير في مسائل و قضايا تلك الفترة الهامة من التاريخ الإسلامي .
3 –  الافتقار إلى العرض المنهجي للإشكالية المبحوثة في الكتاب ، و مساءلة فرضياتها من حيث الصحة و الخطأ ، و الخلوص في النهاية إلى عرض الخلاصة و النتيجة المُتوَصَلُ إليها بطريقة علمية مباشرة ، حيث اكتفي المؤلف في خاتمته بأسلوب وعظي توجيهي ناصح ومحذر من مخاطر الفتن و التجزئة المذهبية مع المطالبة بالتحرر من الهالة القدسية المضفاة على أخطاء الأسلاف في السياسة و فهم الدين ، و ضرورة نقد التاريخ و نقد اجتهادات الأقدمين و غربلتها للإفادة من ذلك في بناء المستقبل  في ضوء فهم صحيح للقرآن الكريم و هدي النبي الأكرم عليه الصلاة و السلام .
4 – مع أن الكتاب تضمن الكثير من الإحالات المرجعية المتنوعة ، إلا أنه افتقر إلى عرضها و تنسيقها في نهاية الكتاب ، كما جرت العادة ، من أجل إظهار مدى التنوع في المراجع و المصادر المختلفة التي أفاد منها المؤلف .
ومما لاشك فيه أن تلك الملاحظات لا تقلل من جهد المؤلف ، بأي حال ، بل إن الكتاب يمثّل إضافة نوعية للمكتبة العربية و الإسلامية ، و الحاجة ماسة الآن و أكثر من أي وقت مضى لمثل هذه المؤلفات التي تثير الجدل و تحرك المياه الساكنة و تطرح التساؤلات النقدية الحادة لعل في ذلك تحريكا للركود و الخمول و الضآلة التي تلف الأوضاع العربية في أكثر من مكان .

معلومات الكتاب :
العنوان :  أجراس الرعب من التكفير إلى التفجير
تاريخ النشر : 2014
المؤلف : سيدي محمد بن جعفر
جهة النشر : طبعة محلية.

عدد الصفحات : 203

0 التعليقات:

 
Design by Free WordPress Themes | Bloggerized by Lasantha - Premium Blogger Themes | Hostgator Discount Code تعريب بلوغر ـ تطوير وتنسيق : yahya