تهفو الأنظار إلى تونس الخضراء التي تلتئم فيها القمة العربية " الملغية ؟ أو المؤجلة" منذ مارس الماضي نظرا لبروز خلافات يبدو أنها " جدية" على ترتيب موضوعات جدول الأعمال حينا وعلى حجم الإهتمام بها والحضور من حيث الأصل حينا آخر.. ومع أن مؤسسة القمة من أقدم وأجذر المؤسسات العربية وذلك بعد مضي أكثر من ستة عقود على أول قمة عربية في مدينة الاسكندرية المصرية في سنة 1944 ، فإنه لم تترسخ بعدُ قيمتها السياسية والأدبية في الحياة الفكرية العربية كماهو الحال في قمم الأرض الاخرى ، حيث ظلت شكلا بلاجوهر وعنوانا بلامضمون وإسما من غير مسمى ، بل وأكثر من ذلك فإنها تكاد تكون استمرارا لعقلية " سوق عكاظ" البدوية التقليدية حيث الكلام صناعة والشعر وقرضه حرفة وبضاعة ، أما العمل والفعل فلامكان لهما في " ثقافة عكاظ" وربوع الجاهلية العربية!
تأتي قمة تونس الآن ..قمة اصحاب الجلالة والسمو والفخامة والنيافة وهم في وضع لايحسدون عليه بعد أن تمت الإطاحة برئيس عربي لدولة مشرقية تحت نير الغزو الأمريكي ، وكذلك بعد أن وضع رئيس عربي آخر منذ ثلاث سنوات رهن الاحتجاز والتهديد بالقتل العمدي في اية لحظة من دولة اسرائيل الصهيونية رغم كونه منتخب من شعبه وتحت إشراف دولي!!..
.إنها لحظة استهداف لاغبار عليها لكل ماهو عربي سواء كان فكرا وثقافة من طرف القوى المهيمنة على العالم ، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية التي لم تحجب دعوتها في تفكيك المنطقة العربية من المحيط إلى الخليج لتعيد تركيبها في " كانتونات مهترئة" اشبه ماتكون بدويلات ملوك الطوائف في الأندلس منذ قرون ، ولم يخجل أو يتردد الساسة المحافظون الجدد في أمريكا في كشف حقيقة نواياهم ، وهل هناك مايدعوهم أصلا- إلى المداراة في ذلك؟ بل جاهروا بأجندتهم واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار حول ما يدعونه " ديمقراطية " و " إصلاح" و " محاربة الإرهاب" ..
وتحت تلك المسميات الفضفاضة قاموا بغزو العراق ليكون المحطة الأولى لتجربة المشروع الأمريكي المزمع تجسيده عربيا .. فماذا ستفعل قمة تونس؟ هل ستعلن الشكر الموصول لأمريكا على دفعها العرب دفعا إلى كل تلك " المحاسن" حتى ولو كانت تمر عن طريق الاحتلال وخوذات جنود " الكاوبوي"! إن المنطقة العربية منكوبة في العراق وفلسطين وسوريا التي رزحت منذ فترة قصيرة تحت جريرة " قانون محاسبة سوريا" ، وفي كل تلك الأوضاع المكارثية فإن العامل الموضوعي المسبب هو أمريكا سواء قامت بذلك مباشرة كماهو شأن العراق وسوريا ، أو نيابة ووكالة كما هو الشأن في الحالة الفلسطينية حيث تقوم بالدور المرسوم بكفاءة اسرائيل التي حولت فلسطين إلى شلال نازف من الدماء منذ خمسين عاما ولازالت حتى اليوم.
وقد يكون ذلك جزء ميكروسكوبي من صورة التحديات الخارجية التي تعاني منها المنطقة العربية ، أما على السمتوى الداخلي فإن العدوان ليس بأقل شراسة ورافة بالجماهير العربية التي أخذ منها اليأس كل مأخذ بعد أن تحصلت الدولة القطرية العربية بجدارة على شهادة إفلاس وفشل ذريعين في النهوض والتنمية على جميع الصّعد ، وتكفي جولة خفيفة في أي شارع عربي ليدرك المرء حجم الأزمات الموسومة على وجوه الملايين ولسان حال القوم أمام الخطوب المدلهمة وصف العلامة إبن النحوي في مطلع قصيدته الشهيرة " المنفرجة" : اشتدي أزمة تنفرجي قد زاد ليلك في البلج وقد يبادر قائل لماذا هذه النظرة السوداوية المتشائمة؟ببساطة أليس في ذلك جزء من الحق إن لم يكن كله ، والله لايستحي من الحق ، ولذلك فإن أية قمة عربية لا تأخذ فهرس الواقع العربي بكل تفاصيله لن تكون أكثر من اجتماع رمزي يضر أكثر مما ينفع..
ويري بعض المحللين أن مؤسسة القمة العربية هي المولود الطبيعي للنظام الاقليمي العربي المتثل سياسيا في جامعة الدول العربية التي كانت " شاهدا" على جميع الأزمات التي عصفت ماضيا ولاتزال بالأمة العربية بداية باستيلاب فلسطين 1948 ، والعدوان الثلاثي على مصر 1956 ، ونكسة حزيران 1967 ، والحرب الأهلية اللبنانية 1975 ، وحرب السيادة على الصحراء الغربية 1976 ، وكافة حروب الخليج : العراقية الايرانية 1980-1988 ، والحرب الأولي 1991 ، والحرب الأخيرة 2003 اضف إلى ذلك سلسلة لانهائية من الحصارات مثلا : على مصر في عهد عبد الناصر ، او حصار الجماهيرية والعراق وحاليا سوريا.. كل ذلك تم في "حضور" الجامعة العربية فهل يمكن اتهامها بالتواطؤ؟
إن القمة العربية إذا كانت عربية فعلا فينبغي أن تكون موجهة أساسا ورأسا لدراسة كافة الأوضاع العربية وترتيبها و قراءة المشاكل التي تئن منها الأمة سياسيا واقتصاديا وثقافيا واجتماعيا وفكريا ، والبحث في الاجتهاد لها بحلول "صحيحة" على مستوي التحديات.والقمة العربية ليست منعقدة في المريخ بل هي فوق كوكب الأرض لهذا لايمكن أن تغض الطرف عن لغة العصر ، لغة التوحد والتكتل بعد أن ولى عهد الدولة الوطنية ، وجاء على أنقاضه عهد الفضاءات العملاقة والتكتلات الضخمة ، وهو ما جعل كل شعوب الارض ودولها تسعى إلى الدخول إلى فضاءات كبيرة حتى تضمن الحياة قبل أن يجرفها الطوفان العارم من التحديات التي تفوق قدرتها المحدودة في النهاية على التحمل، وليس الاتحاد الأوروبي ببعيد بل هو جار شمالي للعرب جعل أكثر دوله وكلها دول متقدمة صناعيا وتكنولوجيا تستحيل إلى دولة واحدة عملاقة بجواز سفر موحد لاحديث بعده عن البوابات والاسوار العازلة !..
كذلك الاتحاد الإفريقي يمضي في نفس الفكرة والتوجه رغم الصعاب الكؤود والعراقيل الجدية والعرب مشاركون ولاعبون رئيسيون فيه بأكثر من ثلثيهم.. ناهيك عن بقية الاتحادات الأخرى ( الآسيان) في آسيا ، و ( النافتا) في أمريكا الشمالية .. الخ كل تلك الامثلة تقف حية ناطقة أمام القمة العربية تلقي عليها دروسا صارمة ومفيدة تستطيع بها أن تنقذ دولها وشعوبها من خطر الانقراض.
إن ذلك هو الجسر الذي تنتقل عليه القمة إلى طموحات الجماهير العربية من انواكشوط إلى صلالة ، وجدول الأعمال المفروض أن يوضع أمام القمة هو باختصار وبلا مقدمات هو : نكون أو لانكون؟!! إما أن العرب واعون ومدركون لخطر العدوان الخارجي والداخلي عليهم ومايستهدفه ذلك من وجودهم الحضاري والتاريخي ، وإما جاهلون وغافلون وسادرون في سوق عكاظ مع مايدل عليه ذلك من استمرار تجرعهم جميعا نخب كأس الاذلال والمهانة الذي لن >ينجو منه حتى الصعاليك منهم! ومثلما أسلفنا فإن العامل الموضوعي في الأزمات التي يكابدها العرب اليوم هو تبعات سياسات صقور الولايات المتحدة ، وهنا لابد أن تكون قمة تونس واضحة في ذلك سواء اختارت استمرار رمي كل البيض في السلة الأمريكية مع تحمل نتائج ذلك ، أو سواء أرادت أن تنقط كافة الحروف الأبجدية لتقول للادراة الأمركية (إدارة المحافظين الجدد) : كفى! .. لقد بلغت الأوضاع منتهاها ولابد من وقفة مراجعة وجردة حساب بين العرب وامريكا.
واذا كان العرب يحتاجون إلى أمريكا ، فإن حاجة الأخيرة اليهم أكبر بكثير سواء عند حديثنا عن " نفطهم المجاني" لها وهو - لايخفى - عصب ماكينة الاقتصاد الأمريكي ، أو بصورة أخري لو تحدثنا عن الأموال العربية " المهاجرة" الى الجنان الأمريكية .لذلك فإن من مصلحة الأمن القومي الأمريكي أن تكون العلاقات مع العرب طيبة وجيدة وتسير بدون " منغصات" وهي لايمكن أن تكون كذلك وأمريكا تدخل كطرف رئيسي في الصراع الدائر بين العرب والصهاينة من خلال دعهما " الحاتمي" لاسرائيل منذ خمسين عاما بداية بالاعتراف بها بعد دقيقتين فقط من اعلانها سنة 1948 وحتى يومنا هذا حيث توفر لها المال والسلاح من دافع الضرائب الأمريكي سنويا ، بل وأكثر من ذلك تحميها دوليا في الأمم المتحدة بــ:" الفيتو" من أية مساءلة أو إدانة .
وهذا ظلم كبير ترتكبه أمريكا في حق العرب يدل على صدود إدارة بوش ورفضها لأي تعاون ايجابي مع العرب ، وهذا ماينبغي أن تقوله قمة تونس بلامواربة وبكلام جلي لايقبل اي تأويل . وختاما هل يسعفنا المجتمعون في تونس الخضراء في تقديم إجابات شافية ومقنعة عن بعض تساؤلات المرحلة التي يعيشها عرب هذا الزمان ، وهي أسئلة من قبيل :
هل تكون قمة تونس مثل قمة الخرطوم التي ردّ بها العرب على النكسة بلاءاتهم الشهيرة " لاصلح ولا اعتراف ولاتفاوض مع الكيان الصهيوني"..؟ وهل تستطيع قمة تونس أن تخرج على النص وتكون فرصة لاعلان مواجهة تداعيات السياسة الامريكية على المنطقة العربية ؟ أم أن الاجندة الرئيسية صممت لتراعي منطق الشرق الأوسط الكبير ومفاهيم الديمقراطية والاصلاح و الحرب على الارهاب ؟ وهل سترى القمة العراق محتلا وسوريا محاصرة وفلسطين نازفة ..أم ستظل وفية لفكر الشجب والاستنكار اللفظي المضحك المبكي؟ وهل .. وهل!!
1 التعليقات:
السلام عليكم
في الحقيقة انا اعمل على مشروع عمل جريدة او مجلة الكترونية
ولدي العديد من الافكار
ولكن ابرزهم فكرتين انوى تطبيقهما ان شاء الله خلال هذا العام
سوف اناقش الامر معك اذا تبين لي اهتمامك بالموضوع
او بصداقتي اذا كنت لا ترفض الاصدقاء
اذا كنت مهتما بالامر يمكنك التواصل معي
keeping_1st@yahoo.com
إرسال تعليق