23 أبريل 2009

عن أبعاد زيارة القائد القذافي و صلاته في بلاد شنقيط

عن أبعاد زيارة القائد القذافي و صلاته في بلاد شنقيط

بقلم / الدكتور أحمد ولد نافع

تذكر كتب السيرة و الهدي النبويين أن الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله و سلم كان " إذا حزبه أمرُ دعا المسلمين إلى الصلاة" كما روى أبو داوود و غيره ، و في ذلك ما فيه من دلالات دينية كبرى أن الصلاة الجامعة هي مفتاح الحل للأزمات المستعصية ، و نهجا بتلك السنة العظيمة دأب الأخ القائد معمر القذافي منذ سنوات عديدة في منتصف تسعينيات القرن العشرين إلى الصلاة الجامعة للمسلمين ، في افريقيا مع حضور من مسلمي أنحاء العالم ، باعتبارها فرصة ثمينة للم الشمل و استذكار ضرورة الاعتصام بحبل الوحدة الاسلامية في عصر " القصعة " الذي بدأ يلقي بكلكله على الأمة جمعاء و على الدين الاسلامي حتى رادفوه بالإرهاب و الكراهية و العنف .
و لم يكن اختيار بلاد المنارة و الرباط (موريتانيا) مكانا للصلاة الاسلامية الجامعة أمرا عبثيا و غير ذي مغزي تاريخي ديني و سياسي و استراتيجي ، بل إنه أتي استذكارا و وفاء للدور التاريخي الكبير لجيل الرعيل المؤسس للمرابطين الذين بلغت دولتهم حينا من الزمن شأوا بعيدا في التقدم و الازدهار ، كما أنه يقدم ربطا للحاضر و المستقبل بماضي الأمة الموحد من أغاديس إلى تمبكتو إلى ولاتة وشنقيط و فاس و اتوات و القيروان و غدامس و مرزق.
علاوة على ما تنطوى عليه سنة إحياء المولد النبوي الشريف بالذات ، وفي هذا الزمن تحديدا ، من دفع للمسلمين إلى التمسك بسنة النبي الأكرم الذي لايكتمل إيمان المسلم دون حبه و تعظيمه و نصرته و مودته في القربي.
ثم إن هذه الربوع القصية من أطراف الأمة العربية و العالم الاسلامي تقع في دائرة الاستهداف الغربي لموقعها الجيو استراتيجي المهم على التخوم بين الساحل العربي و الصحراء الكبرى التي باتت أعين مخططي حروب القرن مركزة عليها لحاجات متشعبة و غايات سياسية و اقتصادية.
و لهذا من المهم جدا إرسال رسالة إلى أولئك ووكلائهم الاقليميين ، و طابورهم الخامس الذي قد لايعي أحيانا أنه كذلك ، أن موريتانيا ليست سائغة ، بل إنها يمكن أن تسهم كما هو قدرها دائما في نشر الاسلام بالحسنى ، و إشاعة ثقافة السلم و التسامح و المحبة .
وبالتالي يكون من شأن الصلاة الجامعة في ذكرى المولد النبوي الشريف أن تجعل من موريتانيا بلدا استراتيجيا لا يمكن التقليل من مكانته و عمقه الحضاري و الثقافي .
و قطب الرحى أيضا ، في سياق إقامة الصلاة الجامعة في انواكشوط ، هو الرغبة الصادقة للأخ القائد في الإسهام في مؤازرة إخوانه الموريتانيين ، الذين يقاسمهم الانتماءات كلها الدينية و الاجتماعية و الثقافية و غيرها ، لتجاوز أزمتهم السياسية - التي حاول بعضهم ، ربما يأسا ، أن " يدولها " في باريس و غيرها من عواصم الغرب أو الشرق - و خلق حالة من الإجماع الوطني الموريتاني على مجموعة قيم و ثوابت وطنية و أخلاقية تضع حدا لحالة المراوحة و إعادة إنتاج الأزمة التي لم تفعل أكثر من تأجيل بناء موريتانيا جديدة تسع جميع ابنائها يسهمون كل من جانبه في تحمل المسؤولية التاريخية في الجهد التنموي الجاد ..
ما لا يعلمه البعض أن اختيار موريتانيا للصلاة الاسلامية الجامعة كان من بين عدة اختيارات أخرى لمواقع اسلامية قريبة منا أو بعيدة عنا تحمل رموزا إسلامية أو تعيش أوضاعا خاصة في هذا الوقت تقتضي ضرورة الاهتمام بها رسميا و شعبيا من كافة المهمومين بقضايا الاسلام و المسلمين في هذا الزمان .
غير أن الرغبة في الإسهام في حل الأزمة الموريتانية تغلبت على غيرها و جعلت الأخ القائد يزور موريتانيا للمرة الثالثة بعد أن زارها مرتين في السبعينيات و الثمانينيات ، و كان لكلا الزيارتين نتائج ملموسة أقلها دخول الجامعة العربية في الأولى بعد أزيد من عقد من النضال السياسي في سبيل ذلك ، و تحييد موريتانيا من تداعيات الحرب الأهلية ضمن ما يعرف ب " حرب الصحراء " في الثانية ، ناهيك عن الدعم المادي الكبير لقطاعات الاقتصاد الموريتاني في مجالات البنوك " كإنشاء مصارف و توفير غطاء نقدي للأوقية الموريتانية بعد رفض فرنسا و دول كثيرة أخرى لذلك ، و الصيد البحري و الفلاحة و التعليم ... و غير ذلك .

على سنة المرابطين
لأنه قارئ نهم للتاريخ الإنساني عامة و العربي الإسلامي خاصة ، فإن القائد القذافي كان واعيا لرسالة المرابطين ، وهم المهاد التاريخي لساكنة هذه البلاد التي تفاخر جيلا بعد آخر بهم و بدورهم في نشر الاسلام و الثقافة العربية الاسلامية في افريقيا و العالم ، ولهذا من الطبيعي أن يخصص نصيبا من خطبته بعد الصلاة الجامعة لذلك الدور ، و الإشادة به على رؤوس الأشهاد ، وأمام مسلمي العالم و غيرهم في إشارة لا تخفي على العقلاء إلى عظمة هذه البلاد و رجالها عبر التاريخ الذين نشروا الدين بالحسنى و الموعظة الحسنة و ليس بالعنف أو بالغزو !!
وفي هذا الاستنتاج يتفرد القائد عن زوار موريتانيا الرسميين من قادة و زعماء عرب و عجم لا تتجاوز معارف أحسنهم علما و ثقافة أن هذه البلاد هي بلاد المليون شاعر فحسب ، وهو ما ذكره الرئيس الفرنسي الأسبق شيراك في زيارته المعروفة لانواكشوط قبل سنوات .
كما أن مشاركة ممثلين عن الاقليات الاسلامية في أنحاء العالم ، ومن مختلف المذاهب و الفرق و الطوائف الاسلامية من سنة و شيعة و دروز و غيرهم ، و أشراف آل البيت النبوي الشريف ، كل هؤلاء لم يلتقوا منذ عقود ، و ربما قرون ، على صعيد واحد للصلاة خلف إمام واجد ، وفي بلاد المرابطين بلاد شنقيط ، ففي ذلك ما فيه من تقارب ووحدة باتت الحاجة إليها قائمة الآن و أكثر من أي وقت مضى .
إن القائد بذلك يقدم وفاء تاريخيا للدور الكبير الذي قام به المرابطون العظام و أحفادهم من علماء و فقهاء و أولياء و مجاهدون أفذاذ في سبيل خدمة الاسلام و المسلمين . فمن على أديم الأرض التي عمروها بعلمهم و فكرهم و ثقافتهم يدخل مهتدون جددا دائرة الدين الحنييف على الملأ ، كأن المرء في حضرة عبد الله بن ياسين الجزولي و تلامذته وهم ينشرون الدين وراء بحر الظلمات ، وفي أعماق المتاهات الافريقية !
كما تتم الدعوة الى تحرير عقول المسلمين من الاستلاب الفكري و الثقافي المتمثل في اعتمادهم ، بوعي أو بدونه ، التأريخَ بالأشهر الوثنية الشركية للأوروبيين كيناير و مارس و يوليوس و اغوسطوس ..الخ ، و تعاد فكرة " الدعوة الى تأسيس الدولة الفاطمية الجديدة " التي طرحت في مناسبات سابقة كحل لإسفين الفرقة الدينية المذهبية التي بدأت محاولات تجريبها بعد سقوط بغداد العريقة في 2003 ، وهي حرب ممولة أصلا و فرعا من دوائر صهيونية غربية لتمزيق المسلمين بين سنة وشيعة ، حيث تقوم فكرة الفاطمية الجديدة على اعتبار المسلمين ، كل المسلمين ، هم في الواقع سنة من حيث الاستنان بسنة الرسول الأكرم صلي الله عليه وآله وصحبه ، و كذلك هم شيعة للرسول و آله الطيبين الطاهرين، و هذا جزء من عقيدتهم الصحيحة ، كما أن الفاطمية الجديدة تنطوى على إنصاف آل البيت النبوي الشريف من الظلم التاريخي اللاحق بهم جراء الصراع على السلطة في التاريخ الاسلامي ، حيث عانوا منذ أعيد " فتح "! المدينة المنورة في عهد يزيد بن معاوية كما لو كانت مدينة وثنية وأستباحها الجند " المسلمون "! ثلاثة أيام ، حيث قُتل فيها الكثير من الصحابة، وكان بعضهم ممن شهد بدرًا و أحداً و غيرهما من المشاهد ، وانتهكت حرمات النساء المسلمات ، وحُوصرت الكعبة المشرفة ، وضُربت بالمنجنيق، وقُتل ضمن من قتل عبد الله بن الزبير وُصلب أمام العامة ، وحدثت كربلاء التي كادت تقضي على النسل النبوي الشريف ، لولا " علي الصغير" الذي احتضنته أخته زينب بنت الحسين وتشبثت به، بينما قائد الجيش الأموي يصيح قائلا : "دعوني أقتله فإنه بقية هذا النسل، فأحسم به هذا القرن، وأميت به هذا الداء، وأقطع به هذه المادة"، وعلي هذا هو علي زين العابدين الذي منه اتصل النسل النبوي بعد ذلك حتى اليوم .." يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم .. الآية " !
و من الأبعاد الاستراتيجية الهامة لزيارة القائد و صلاته في موريتانيا هو تزامنها مع إغلاق وكر التجسس الصهيوني في أرض المنارة و الرباط ، و سيكون من تكريم ذكرى المرابطين أن تطهر بلادهم من دنس الصهاينة الذين فرضت وجودهم في موريتانيا أجندة دولية و قصر نظر محلي من نظام بائد لم تشفع له في البقاء طويلا تلك العلاقات الآثمة كما تصور أول الأمر ، و تعاقب أربعة رؤساء على تلك العلاقات و لم تقطع أو تعلق قبل الجنرال ولد عبد العزيز الذي كان من الشجاعة و الانسجام مع تطلعات شعبه للحد الذي جعله يرفض استقبال ملف سفير العدو ، ليظل كالأجرب بين الأصحاء ، حتى حمل متاع السفارة الكريهة عير مأسوف عليه ، وتنفست البلاد و العباد الصعداء ، لأن استمرار وجود السفارة الصهيونية يعتبر أكبر تحدي للأمن القومي و للوحدة الوطنية ، وسيكون بابا مشرعا للسوء كله !


و للشأن الموريتاني ..كلمة
حرص الأخ القائد في زيارته أن يلتقي مع ساستها و قادتها من مختلف الأطراف سواء من المجلس العسكري أو من " الجبهة " ، وكذلك التقي الفاعليات الشعبية الاجتماعية و ممثلي المجتمع المدني الموريتاني ، و قدم نصائح عامة من واقع رؤيته التحليلية للمشكل السياسي و الصراع على السلطة الذي هو أساس البلاء في الاجتماع الانساني ليس في موريتانيا فحسب ، بل في جميع أنحاء العالم ، ورؤية الأخ القائد ، التي يقتنع بها ، مبثوثة في الكتاب الأخضر الذي قدمه للعالم بعد تأمل كبير في الأحوال السياسية للبشرية و اسباب الصراع فيها و تداعياته ، وقدمه في وقت كانت فيه الحرب الباردة على اشدها في السبعينيات من القرن الماضي تنبأ فيه بما جرى للمعسكر الشرقي أولا و بما يجري حاليا للمعسكر الغربي ، وحين نشر ذلك كان الجميع بين مكذب ومصدق و هازل .. وقد صدقت النبوءة رغم كل شيئ !
وجماع فكر القائد أن الديمقراطية هي سلطة الشعب أو شورى الناس كافة بصيغة تتجاوز ما يسمى لدينا " تجاوزا" أحزابا ناهزت السبعين حزبا كمظهر للتعددية السياسية و الفكرية " الوهمية" في المجتمع ، بينما في أكبر الدول " أمريكا مثلا " لا تزيد على الحزبين فقط ! ، أو " انتخابات " شكلية أو فعلية ، أو " برلمانا " لا يفوز فيه إلا القادرون ماليا ليدافع عن مصالحهم الاحتكارية الربوية الفئوية ، لأن كل تلك " الصور" لم و لن تحل أزمة الصراع على السلطة ، بل تعيد إنتاجه ربما بفداحة أكبر ، ومع ذلك فإنه ، اي القائد ، لا يلزم الشعب الموريتاني بغير ما يريد ، الا أن موقفه من الوضع السياسي مركز بالأساس على المصالح الحقيقية للشعب الموريتاني ، و هذه المصالح ليست قطعا في التشرذم الحاصل في الساحة السياسية ، و ليست في تدويل الحالة الموريتانية تحت دعوى هزيمة الانقلاب و تكريس الديمقراطية ، و لا في المطالبة بتدخل عسكري أجنبي في موريتانيا ، ولا في فرض حصار اقتصادي أو عقوبات انتقائية أو شاملة لن تؤثر في النهاية الا على الذين لا يستطيعون حيلة أو يهتدون سبيلا من الشعب الموريتاني ، فمن هذا الإحساس الصادق أراد القائد أن يساعد في إيجاد مخرج من الأزمة يتركز في رفض التدخل الدولي أو الإقليمي تحت أي عنوان ، و الاحتكام إلى الشعب في كل الأحوال بعرض سيناريوهات البرامج و التصورات التي يبغي الفعلة السياسيون الموريتانيون أن تبني عليها أحوال موريتانيا الجديدة ، موريتانيا المفترضة ، بعد هذا العناء الشديد في الإجابة على سؤال : أن تكون أو لا تكون ؟؟
ربما يخشى بعض الفعلة السياسيين من كساد بضاعتهم الدعائية ، ولهذا يخشون من الاحتكام الى الشعب الموريتاني في جولة جديدة ، حتى لا تتضاءل أحجامهم السياسية أكثر من ذي قبل ، و هذا ، ربما ، سبب الرفض الدائم للمشاركة في الانتخابات القادمة !!
وهنا لن يكون من الاحترام لضيف زائر في قيمة و قامة القائد القذافي ما أظهره قادة ما يسمى " جبهة الدفاع عن الديمقراطية " في قصر المؤتمرات أثناء إلقاء القائد لكلمته التوجيهية العامة ، خصوصا أن أغلب هؤلاء،و غيرهم من الشخصيات السياسية و الفكرية و الدينية و الاجتماعية، يعرفون الضيف الزائر حق المعرفة و يعلمون حجم الاحترام و التقدير الذي يكنه لهم باعتبارهم ممثلي الشعب الموريتاني و قواه الحية ، و قد التقاهم أو بعضهم عشرات المرات طيلة سنوات مديدة عاملهم فيها بأريحية هي طبعه و طباعه المستمدة من ثقافة العروبة و الاسلام التي يتمثلها ، وأحسهم ، وهم ضيوف لديه ، أنهم في موريتانيا حين يكونون في زيارة إلى ليبيا . و الطامة الكبرى أن يعتذر هؤلاء
، فقط ، الى رئيس دولة أجنبية ينكرهم و يجهلهم و لا ترتبط بلاده مع موريتانيا إلا بماض استعماري
يعد أكبر عدوان سافر على كرامة هذا الشعب الأبي ، و لعله لا يشرف إلا مستخدمي الطابور الخامس الذين هم في مقابل الوطنيين الخلص دائما و أبدا !!


0 التعليقات:

 
Design by Free WordPress Themes | Bloggerized by Lasantha - Premium Blogger Themes | Hostgator Discount Code تعريب بلوغر ـ تطوير وتنسيق : yahya