29 نوفمبر 2010

صاحب المدونة في محاضرة عن الشراكة الأوروبية الافريقية في جامعة سرت


احتضن ظهر اليوم الإثنين 29 نوفمبر 2010 مدرج هانيبال في جامعة سرت الليبية محاضرة للباحث الموريتاني الدكتور أحمد ولد نافع بعنوان " أية آفاق مستقبلية لشراكة أوروبية إفريقية ناجحة ".
حيث تعرض المحاضر لإشكاليته من خلال ثلاثة محاور :
المحور الأول: توطئة عن مفهوم الشراكة ( ماهيتها – مزاياها – أهدافها – سلبياتها).
المحور الثاني : عن تاريخية و طبيعة الشراكة الاوروبية الافريقية

المحور الثالث : نماذج إفريقية في الشراكة ( الحالة الموريتانية)
الخاتمة : أية آفاق للشراكة الناجحة .
و بعد انتهاء المحاضرة فتح المجال أمام الدكاترة و الباحثين و الطلاب ، الذين قدموا تساؤلاتهم حول ما ورد في المحاضرة ، وقد قام المحاضر بالرد عليها.
وتأتي المحاضرة ضمن فعاليات الورشة العلمية التي نظمها و أشرف عليها قسم الاقتصاد بكلية الاقتصاد – جامعة سرت ، خلال الفترة ( 28-29 نوفمبر 2010)
المصدر : وكالة أخبار صحراء ميديا

21 نوفمبر 2010

سفر الميلاد الخمسين




سفر الميلاد الخمسين
بقلم – الدكتور أحمد ولد نافع – باحث و أستاذ جامعي
في مثل هذه الأيام قبل نصف قرن من الزمن ولدت الجمهورية الاسلامية الموريتانية من الناحية الرسمية في 28 -11-2010 على يد جيل و نخبة مجالدة في صبرها و أناتها على بناء الدولة من دون وسائل معينة .
وربما ما ضاعف عبء معركة البناء أن " البلد البرزخي " ورث السيبة منذ بعدت به الشقة عن السلطان المركزي إثر انزياح الجزء الشمالي للدولة المرابطية قبل ذلك بعشرة قرون تقريبا بصنع الأحداث و الخطوب السياسية .. الشيء الذي جعل خزان الرمال و الرياح موئلا للقبائل المختلفة في صراعاتها اللامنتهية من أجل إشباع حاجاتها من هذا الصحراء الفسيحة الأرجاء الممتدة شمالا حتى البحر المتوسط و جنوبا حتى طلائع وحدود الغابة الافريقية و غربا حتى المحيط الاطلسي و شرقا ربما حتى ما وراء نهر النيل..!
إذن في جزء ما من هذه الصحراء الكبرى ، وخصوصا في حافتها الجنوبية الغربية ، تم رسم حدود و جغرافية الكيان ( موريتانيا) الذي تم استيراد اسمه من بطون التاريخ الروماني القديم يوم كانت الصحراء إحدى ممتلكات ذلك السلطان في زمان عزته و قوته .. وقد كان كل ذلك التاريخ الطويل للمكان و إنسانه حاضرا بقوة ، في أذهان الجيل المؤسس للدولة ، وفق ما روى لنا في نهاية القرن الفارط أبو الدولة الوليدة آنئذ ، الرئيس الراحل ، الأستاذ المختار ولد داداه ، من تفاصيل عن المخاض العسير لهذا المولود الجديد ، الذي تناوشته المشاكل العراض حتى قبل تشريفه المشهد السياسي في غرب القارة السمراء !
و حين أدركت النخبة السياسية الفرنسية استحالة استمرار الاستعمار بشكله التقليدي المقزز ، قبلت بأن تحمل عصاها على كاهلها وترحل من المناطق التي عملت على أن تظل ، دائما و أبدا ، مناطق تخدم الدولة الفرنسية في كل الظروف و الأحوال ، ولكن حكم التاريخ كان أسرع و أقسى على هذه العقلية المتغطرسة البالية ، فحكم عليها نهائيا بالاندحار ، الشيء الذي لم يأت من فراغ ، بل كان خلاصة الوعي المتنامي بفعل ما راكمته جهود المقاومة التي بدأت منذ أول يوم دنست فيه الأراضي بأقدام الغازي الصائل من وراء البحار ، وكانت أشرس و أسرع باغتيال قائد الحملة " اكزافي كابولاني " ، الذي يقال إنه صاحب رأي استعمار هذا الجزء " موريتانيا" ليكون حلقة تربط المستعمرات الفرنسية في شمال و غرب افريقيا ، ولكن المقاومة الوطنية عاجلت حلمه الاستعماري بضربة موجعة أفقدته حياته على يد فتية آمنوا بربهم بقيادة الشريف البطل سيدي ولد مولاي الزين ، ثم تنوعت المقاومة و شملت مختلف القبائل و المجموعات تحت قيادة الشيخ ماء العينين الذي تحولت معه المقاومة إلى تنظيم محكم و مؤثر ، و استمرت على يد أبناء موريتانيا من جميع جهاتها و أنحائها من عربها و زنجها في غالبهم ، و ربما كانت الصفحات الأخيرة في تاريخ المقاومة هي الفصل الذي كتبت أبرز أفكاره الحموية بقيادة الشيخ أحمده حماه الله شريف نيورو ( كما تلقبه الوثائق الاستعمارية الفرنسية) حيث أخذت المقاومة معه شكل المقاومة الثقافية و الممانعة و المقاطعة ، و تعزز ذلك سريعا بفعل نتائج و ترتيبات أوضاع الحرب العالمية الثانية ، التي أسدلت الستار على امبراطوريات الاستعمار التقليدي ( فرنسا في طليعتها) أمام قوى جديدة في مقدمتها أمريكا و ذلك منذ النصف الثاني من القرن العشرين .. وهكذا شهدت خمسينيات و ستينيات القرن العشرين ظواهر الوعي التحرري الذي يصل في مرجعيته الى نضال الآباء المقاومين لحركة الاستعمار كظاهرة معتدية على الإنسانية و تضرب مصداقية القوى المتغطرسة في الصميم ، و بذلك توالت عمليات حصول هذه الدول التي كانت مستعمرة على فرصة تقرير المصير في حدود ما يبقي على خرائط سايكس بيكو سارية المفعول دون اعتبار لما ألحقته هذه التقسيمات الاستعمارية بمكونات الأمم و الشعوب الثقافية و الاجتماعية ، الشيء الذي سيلد لاحقا حروب الحدود و القوميات ، و كانت موريتانيا التاريخية أحد الأمثلة على ذلك ، حيث اقتطعت منها أجزاء أبقي عليها ضمن حدود أريد لها أن تتبع دولا أخرى ، وذلك إمعانا في تجزئة المجزئ و تقسيم المقسم ، وفاء للمنطق الاستعماري الذائع " فرق تسد"..!!
كانت هذه هي اللوحة التي كان محتما على ذلك " الجيل المؤسس" أن يتعامل معها قراءة و فهما ووعيا و إخلاصا..
و بدايةَ ، فإن المتابع المنصف لا بد أن يعذر لهؤلاء و يكبر فيهم الشجاعة التي تحلوا بها و هم يخوضون معركة بناء دولة من أنقاض الاستعمار و فقر الموارد البشرية و المادية ، حيث إن عدد الأطر و الكوادر الشابة في ذلك الوقت كان محدودا جدا ، و كانت القبائل هاربة عن التمدن و التقري وراء قطعانها ومصدر عيشها الوحيد في هذه البيئة القاسية الضنكة.. و بالتالي للمرء أن يتصور حجم المفاجأة التي أصابت هؤلاء القاطنين في الفيافي المقفرة الوعرة حين جاءهم " حامل أخبار الاستقلال و ميلاد الدولة "ّ!!
إن النقاشات التي دارت في نهاية الخمسينيات بين مجموعات الشباب الذين نشطوا في مختلف الفعاليات في ذلك الوقت سواء في ألاك أو أطار ، و الذين كانوا هم النخبة الواعية في ذلك الوقت ( مع الفارق طبعا مقارنة بمعايير أخرى) تركزت حول ضرورة البحث عن كيان مستقل له عاصمته ، ورفض القرار الاستعماري الفرنسي الذي كان يرغب في الإبقاء على " اندر" ( سانت لويس ، في شمالي السنغال) كعاصمة تاريخية للاقليم الموريتاني ، و التعجيل بالحصول على الحقوق المدنية و السياسية ، ولو بصورة متدرجة ( من حكم ذاتي ولو تحت قيادة استعمارية في سنة 1958 كنتيجة لاستفتاء القانون الإطاري ) ولم تمضي سنتين بعد ذلك حتى نال الاقليم استقلاله ، كما طالب بذلك سكانه على لسان نخبته الشبابية الواعية في أكثر من مناسبة سابقة ..و كما هدفت إلى ذلك المقاومة المسلحة و الثقافية قبل ذلك بعقود .. وهي تردد المقولة الفقهية " الخليلية " : و جاز دفع صائل.!!
و بنظرة راجعة على ما حصل طيلة العقود السابقة فيمكن تقسيم التاريخ السياسي لموريتانيا إلى مرحلتين :
المرحلة الأولى : وقد بدأت منذ 1958 حتى العاشر من يوليو 1978 .. حيث شهدت هذه المرحلة معركة البناء و التأسيس للدولة مع ما رافق ذلك من أخطاء و خطايا عديدة ربما كما يري البعض ، إلا أنها أخطاء تتصاغر أمام النقاط التي تمكّن ذلك الجيل من تسجيلها ، كالحسم في موضوع الهوية العامة للدولة ، بأنها عربية افريقية اسلامية ، ولكن سبق الاشقاء في المغرب الى الجامعة العربية و تقديم الملك الراحل محمد بن يوسف ( محمد الخامس) لطلبه بإغلاق الجامعة في وجه الاعتراف بموريتانيا باعتبارها جزءا " تاريخيا " من الاقاليم الجنوبية للمملكة العلوية !
كل ذلك سدّ الباب أمام الدخول السريع للجامعة العربية في الستينيات ، رغم أن الزعيم جمال عبد الناصر اعتذر للرئيس المختار ولد داداه عن ذلك لاحقا ، مؤكدا أنه لم يكن يعلم بحقيقة القضية الموريتانية مع الوعد بزيارتها و الاطلاع على حقيقة شعبها العربي الافريقي المسلم ، الذي أشاد به عبد الناصر ووصفه بـ " الشقيق " في العيد الثاني عشر لثورة يوليو 1964 ، يعني بعد أربعة سنوات فقط من استقلال موريتانيا !
و كانت موريتانيا إحدي الوجهات المبرمجة لزيارة الزعيم العربي الكبير لولا أن تطورات حرب الاستنزاف ، و إعادة بناء الجيش و تعزيز الصمود بعد النكسة و قضية أيلول الأسود ، أبطأت من ذلك ، وكانت الزيارة المزمعة لزعيم القومية العربية هي سرّ التسمية الاستباقية لأكبر شارع في العاصمة نواكشوط ب"شارع جمال عبد الناصر " تيمنا و احتفاءا وتسجيلا لنقاط على موضوع حسم الهوية !..
وشهدت هذه المرحلة خوض صراعات تعزيز الاستقلال الاقتصادي بالخروج النهائي من منطقة الفرنك الغرب افريقي و خلق عملتنا الوطنية " الأوقية " التي أزعجت الفرنسيين و أذهلتهم و صمموا على إجهاضها لولا حصولنا فوريا على دعم سخي من أشقائنا العرب الليبيين ، وهو ما جعلنا نتمكن من إصدارها بوديعة مالية من مائة مليون دولار بعد سنة من زيارة الأخ القائد معمر القذافي الى موريتانيا في 1972 .. وما أعقب ذلك من الانضمام إلى الجامعة العربية في سنة 1973 ..
إلا أن هذا المسار الاقتصادي لم يقطف الشعب ثماره التي عاجلها جفاف السبعينيات و حرب السيادة على الصحراء الغربية التي أنهت عمليا تلك المرحلة بما لها و ما عليها .. وكانت أقصي ما أمكن بلوغه من ذلك الجيل الحالم الذي وصل إلى أوضاع مقلقة ، كان يصعب عليه الاستمرار معها ، وفق مؤشرات الواقع المعيش .. و هذا ما فتح الباب أمام وضع جديد..
- المرحلة الثانية ، بدأت بسيطرة الجيش على السلطة منذ 1978 ، و حتى الثالث من أغسطس 2005 ، و المحصلة النهائية لها مع الأسف هي سلبية بشكل كبير ، بالرغم من بعض الإضاءات المتواضعة هنا أو هناك ، إلا أنها أرجعت موريتانيا دائما إلى نقطة الصفر بعد كل انقلاب يدعي أنه " خلاص للوطن "! ، بينما تثبت الأيام عكس ذلك ، مع الأسف الشديد ، و باتت السّلط العسكرية المتعاقبة تحتكر في كل مرة السلطة و الثروة ، و بات الشعب آخر من يستفيد من ثمار ثرواته التي نهبتها الرأسمالية العالمية و البورجوازية العسكريتارية المحلية المرتبطة معها مصلحيا ، و التي باعت لها باعتبارها " سلطات الأمر الواقع " موارد موريتانيا من حديد و أسماك و غيرهما بأبخس الأثمان و أهزلها ، وتكفي مراجعة بسيطة لهذه الاتفاقيات " المجحفة " ليدرك المرء إلى أي حد تم نهب هذه الثروات الطائلة دون حياء ، بينما كانت تكفي لإعالة دولة و إغناء شعب يفوق الشعب الموريتاني أضعافا مضاعفة ، ليس ذلك فقط ، بل إنهم ورطوا موريتانيا بمديونية هائلة للمؤسسات الاحتكارية الرأسمالية العالمية بحكم " معجل الفساد ومضاعف التبذير" الذي يتحكم في المعادلة التي تضبط سلوكهم الدولتي !
و ظهر من تجربة العسكر أنهم لم يفكروا – بحكم حصائد أعمالهم - بالقتال في سبيل بناء الدولة وبناء مقوماتها ، وهذا هو المفترض و الأنسب عليهم ، بل عكسا لذلك تفانوا – في سباق محموم – في سبيل أمجادهم الشخصية و إكثار ممتلكاتهم و اكتناز ما يقدرون عليه من أموال الشعب المسكين المطحون بهذه العينة من ابنائه الجشعين!
أما بناء الدولة و حاضر أجيالها و مستقبلها فكان في آخر اهتماماتهم ، وفي هذا السياق يمكن تذكّر " الوعود الألفيْنِيَة" (إشارة إلى عام 2000) التي تم الوعد بها أهدافاً وطنية كبرى منذ منتصف الثمانينيات كموعد " نهائي"! مع قيامة التنمية الشاملة و وضع موريتانيا في ركاب الدول المتقدمة ، حيث ستعيش جنتها الأرضية دون خوف من جوع بل بأمن من خوف ، غير أن ذلك كله ذهب جُفاءً ، و ازدادت المعاناة و كلفة البناء عن ذي قبل أضعافا مضاعفة .
وبعد مؤشرات على أن " المركب" أوشك على الغرق ، سياسيا و اقتصاديا واجتماعيا و ثقافيا و أمنيا ، انفتح الباب على احتمالات ومشاهد لا تسر أحدا .. وهنا حدثت انعطافة أخيرة ، وكانت آمال التغيير و الاصلاح على كل لسان .. و بذلك نكون قد وصلنا إلى مرحلة جديدة من تحالف النخبة في سبيل الإمساك بدفة الوضع السياسي ، ومما يؤسف له أن "أجيالا " من النخب المختلفة ركبت الموجة الجديدة و " بدّلت " جلدها السياسي ، كما دأبت دائما لتستمر في " اللعب السياسي " بمصير و مستقبل إدارة أوضاع البلد حفاظا على امتيازات وطن لا تتصور أن أحدا آخر في القري و الأرياف البعيدة يشاركها دستوريا في مواطنته و الايمان به .
و بعد مرحلة انتقالية و انتخابات جاءت بأحد " جيل البناء المؤسس" توقع الكثيرون أن يعيد لهم بريق إيمان ذلك الجيل الذي ناضل من أجل ترسيخ مفهوم الدولة و ترويض الشعب على الايمان بها كيفما كان ، غير أن ذلك الأمل سرعان ما تبدد سريعا ، لعوامل مختلفة ليس هذا مجال بسطها و تحليلها ، ورجعنا إلى وضع استثنائي كنا عشنا فيه منذ 1978 ، و تم تنظيم انتخابات عامة أخرى ، وما أكثر انتخاباتنا منذ التأسيس ، و فاز فيها أحد العسكريين ، من الجيل الثالث كما يقول المصنفون !.
إلا أن هذا الجنرال الجديد ربما اختلف عن سابقيه في وعيه و إدراكه بنبض و مشاعر شعبه ذو الثلثي فقير ، و لهذا كان مزهوا و هو يلقب نفسه ب"رئيس الفقراء "!
و لهذا استجاب بسرعة و أرسل " الجرافات " لتنظف عاصمتنا الطاهرة من دنس الصهاينة المغتصبين ، و ذلك بعد أن تردد كثيرا " الرئيس المؤتمن " في مجرد التعامل بجدية مع الموقف ، رغم وعده بذلك في برنامجه الانتخابي ولم يكن – فيما بدا - في وارد أخذ قرار بهذه الثقة و الإرادة ، ولو استجابة أو مجاملة لمشاعر جمهوره الانتخابي !!
كما أن الرئيس ولد عبد العزيز ، أبان قدرا من الجرأة مع إرادة و حزم في الاستجابة لإرادة الجماهير و احترام الرأي العام و العمل على تعظيم مصلحة و منفعة موريتانيا و إعادة تقييم الثروات الوطنية ، و مراجعة الاتفاقيات لتكون في مصلحة البلد خلافا لما سبق من تجارب منذ أسلافه العسكر ، و صيانتها من التبديد و الفساد الذي ازكمت رائحته النتنة الأنوف منذ أمد طويل ، و صدقية ذلك أن دعمه و مؤازرته سياسيا لا تعطي ، كما كان الحال في السابق دائما ، أية حصانة من التحقيق أو السجن إذا أثبتت المؤشرات وجود شبهات فساد ، وهكذا ينعم بعض وزرائه بالسجن ، و عمله على الوقوف في وجه مجموعات التهريب و المخدرات و التطرف و مطاردتها إلى أوكارها في الصحراء الكبرى و مجاباتها البعيدة و غير ذلك . و ليس من أهداف هذه الكتابة الدفاع أو تجميل مواقف سياسية معينة أو الترويج لها ، بقدر ما الأمر تعبير عن قناعة و محاولة إلى التفكير بصوت عال لإمكان توظيف مؤشرات جديدة في السلوك السياسي للسلطة الحاكمة يمكن أن يؤسس لميلاد ، ربما ، لموريتانيا الأخرى ، موريتانيا الجديدة في أجواء الذكرى الخمسينية التي هي مناسبة بلا شك للتساؤل الجدي و محاولة الإجابة على بعض الاستفسارات من قبيل : أين كنا ؟؟ أين نحن الآن ؟؟ و أين نتجه إلى المستقبل؟؟ ماذا نريد ؟؟ وما هي وسائلنا في ذلك ؟ و من الخطإ أن يجيب عن ذلك حزب سياسي مهما أوتي من القدرة و الكفاءة ، بل نحن جميعا أبناء هذا الوطن و من حقنا أن نسهم ، جميعا ، كل من جانبه في مقاربة الإجابة الشائكة ..
وقد نعلم أن الفرق بيننا و بين الجيل المؤسس أن هذا الأخير ، وجد نفسه في معركة الاستقلال وهو أعزل بلا سلاح ، بينما الجيل الحالي ، جيل موريتانيا الجديدة ، موريتانيا الآن هو جيل أكثر وعيا و إدراكا ، على الأقل ، لحجم المشكلات و المخاطر الجدية التي تهدد البلد ربما ما لم نتحكم في مسارها و مآلاتها و نتشوف حول غيبها الآتي الذي بات العلم معينا على فهم مغلاقاته و إبهاماته ، و هي وضعية مساعدة لتقييم حصاد و حصيلة زرع الخمسين عاما لمعرفة كم حصدنا وماذا حصدنا وهل نؤسس على ما تم ، وأين أصبنا و أين أخطأنا ، و هل نستفيد من أخطائنا ونتوب منها نادمين مع العزم على عدم تكرارها .
ومن المحتم على النخبة السياسية المتسيّدة على المشهد العام للبلد أن تدرك أن مشروعيتها " بلغة أهل القانون " تملكها فقط بمقدار تفانيها في خدمة موريتانيا الأعماق كل الأعماق ، موريتانيا القري و آدوابه البعيدة و القريبة . و لا يعقل أنه بعد خمسين حصادا ما زالت مناطق واسعة من البلد خلوا من أي حضور و مظاهر للدولة وغياب كامل مطلق لكل مشاريعها و استثماراتها الكبيرة أو البسيطة .. مناطق عديدة تهنأ في نسيان مطبق حتى موعد استحقاق انتخابي لتباع فيه الوهم و الوعود الخائبة منذ الاستقلال و حتى الآن ، و الحصيلة صفر على الشمال .. هل هذا معقول؟؟
هل من المقبول – حتى اليوم ، وفي عصر الشعوب بحق! - أن تبقي " نخبة " أو بالأصح " قلة قليلة" تحتكر السلطة و الثروة و السلاح لبلد بأكمله ، بالتأكيد لا !
وأكاد أجزم أن هناك إدراكا متصاعدا بأن الوطن للجميع و موريتانيا لجميع أبنائها بمختلف قبائلهم وجهاتهم و أعراقهم ، وقد فشل رهان من تصور يوما ، خاطئا ، أنه يمكن الحلم نيابة عن الناس و تحمل أعباء البناء عنهم لتحمل أعباء المكافأة بدلا منهم ، فهذا بات جزءا من ذاكرة الماضي المباد ، كما علمتنا التجربة ، و لهذا فلا مناص في سبيل ضمان مستقبل هذا البلد من " مراكمة " جميع مساهمات ابنائه أينما كانوا و كيفما كانوا ، دون ذلك فلن يتسنى " تغييب " المواطنين أبد الدهر ، و تجارب الدول و الأمم تؤيد ذلك ، فالأوطان مسؤولية جماعية مشتركة أو لا تكون ، هذا هو الدرس الخمسيني الذي بات مستوعبا من الموريتانيين بعد قراءتهم لسفر الميلاد الخمسين!. اهــ

24 أكتوبر 2010

أكاديميون موريتانيون يمثلون بلادهم في ملتقي المرصد الثقافي الاجتماعي

افتتحت اليوم السبت في العاصمة الليبية طرابلس ، فعاليات الملتقي الأول للمرصد الثقافي الاجتماعي ، و هو هيئة علمية مستقلة ثقافية عربية أسسها عدد من الأكاديميين و الاختصاصيين من مختلف الدول العربية حيث بدأ الافتتاح من طرف الاستاذ أحمد ابراهيم ، أمين المركز العالمي لدراسات و ابحاث الكتاب الأخضر ، الذي ألقي كلمة نوه فيها بهذه المبادرة التي تأتي في وقت تعاظمت فيه التحديات على الأمة العربية هوية و فكرا وثقافة و لغة ، و لكن الأمة تنازل أعدائها و لم تستسلم رغم أنها قد تخسر بعض جولات الحرب على حد قوله .ثم ألقي مدير المرصد ، الاستاذ ضو علي ربيع ، كلمة استعرض فيها أهداف المرصد ، مذكرا أن مبادرة تاسيسه ترجع الى سنوات من طرف بعض العلماء و المؤرخين و الأكاديميين العرب ، الذين يجاهدون بالكلمة في سبيل قضايا الأمة حفظا لتاريخها من التشويه و العدوان ، مذكرا بأن الثقافة هي الخندق الأخير للدفاع عن الأمة مما يتطلب بذل المزيد من الجهد و العمل من كافة المهمومين بحاضر و مستقبل الأمة العربية .
ثم بعد ذلك تحدث الاستاذ الدكتور بهجت القبيسي ، بإسم المشاركين ، الذي استعرض بعض الاستراتيجيات التي يجب العمل عليها من طرف الباحثين و المؤرخين خصوصا المتخصصين في النقوش و اللسانيات القديمة و مدونة النقوش العربية .
ثم افتتحت الجلسة للحديث و النقاش حول جدول الأعمال :
- مناقشة إنشاء قسم دراسات للنقوش و اللسانيات القديمة و مشروع المدونة الموحدة للنقوش العربية.
- مشروع مدونة للهجات العربية .
- تقسيم الفريق الى مجموعات علمية للقيام بالدراسات الحقلية المقارنة .
- ندوة اللغات الافريقية بين الحرف العربي و اللاتيني.
- تبني جيل جديد من الباحثين تحت سنة 35 سنة و ضمهم للفريق.
- ندوة حول أقليات جنوب أوروبا ( الثقافة و التاريخ ).
و قد شاركت في هذا الملتقي شخصيات أكاديمية من الجزائر و تونس و النيجر و سوريا و الاردن و سلطنة عمان و ليبيا وموريتانيا التي يمثل عضويتها في المرصد الدكاترة :
الدكتور أحمد ولد نافع – استاذ الاقتصاد و عضو اللجنة العلمية لكلية الاقتصاد جامعة سرت ، و الدكتور سيدي محمد ولد يب استاذ الفلسفة و رئيس قسم اللغة الفرنسية في جامعة عمر المختار فرع طبرق ، و الدكتور البكاي ولد عبد المالك استاذ الفلسفة بكلية الآداب و العلوم الانسانية جامعة نواكشوط ، و الدكتور حماه الله ولد السالم أستاذ التاريخ في جامعة انواكشوط

المصدر / صحراء ميديا + وكالات أنباء عالمية

26 سبتمبر 2010

من بوركينا فاسو " أرض الرجال " إلى بوابة " اشكيك "!

بقلم - أحمد ولد نافع -
 باحث و أستاذ جامعي
ahmedonava@yahoo.fr 
     حين وصلت مطار بوركينافاسو الدولي في يوم صيف قائظ من أيام يونيو في سنة 2002 ، لم أجد فرقا كبيرًا بينه و بين مطار انواكشوط لجهة وقوع كليهما في قلب العاصمة ، مع أن حجم " مطار واغا " أكبر نسبيا والإجراءات أكثر انسيابية و سهولة ودقة . لقيتُ و الوفود القادمة إلى بوركينافاسو ترحيبا خاصا و نحن الزائرون المشاركون في" مؤتمر شباب الدول المتاخمة للصحراء الكبرى " ، و هو المؤتمر الذي شهد عدة دورات شاركتُ في الملتقي الثاني منها في نوفمبر 1997 ، و الذي انطلقت فعالياته من مدينة مرزق الليبية ( حوالي 950 كلم جنوبي العاصمة طرابلس) ، وهي إحدى مدن قوافل الصحراء الكبرى و لا تزال قلعتها الشامخة تتحدى الأزمان و تدل على الحضور التاريخي لها دهراً طويلا .

7 سبتمبر 2010

على هامش رحيل إبن الرافدين العالم الاقتصادي الدكتور علي القزويني

بقلم – الدكتور أحمد ولد نافع
باحث و أستاذ جامعي - موريتانيا

علمت ، ببالغ الأسى و الحزن ، من أحد الأكاديميين السوريين العرب و هو الأستاذ الدكتور عبد العزيز حسون ، برحيل أستاذي الكبير و عالم الاقتصاد الجليل الأستاذ الدكتور علي محمد تقي القزويني في ماليزيا بعد وعكة صحية أقعدته الفراش زهاء ثلاثة سنوات ، و لاشك أنها خسارة كبرى ليس لأسرته ووطنه المكلوم ، بل للأمة العربية كلها ، حيث كان الفقيد مسكونا بالبحث حول قضاياها و مشكلاتها الراهنة و المستقبلية .
تعود أولى صلاتي بالمفكر الراحل إلى نهاية التسعينيات من القرن العشرين ، بعد اجتيازي امتحانات القبول في الدراسات العليا في أكاديمية الدراسات العليا الليبية في مقرها الأول المحاذي لمستشفي الخضراء - منطقة حي دمشق – طرابلس ، و تنزيلي لأول مادة تخصصية مع الأستاذ الراحل ( مادة النقود و المصارف ) ، وقد انبهرت به من البداية ، نظرا لصرامته و جديته في التعليم و البحث العلمي ، و توطدت علائقنا أكثر في القسم ، حيث نزّلت معه أكثر من مادة علمية ، بل إنني اخترته ليكون المشرف الرئيسي على أطروحتي لنيل شهادة الماجستير عن الاقتصاد الموريتاني ، حيث شجعني قائلا :" لاشك أن موريتانيا بحاجة إلى التعريف بها ، ولهذا فأنصحك بأن تختار موضوعا ذي صلة ، حتى يكون مساهمة في إغناء المكتبة البحثية العربية .." .
وقد كان طيلة الإشراف على البحث و إعداده خير معين و موجه استفدت من ملازمته ساعات طوالا في منزله العامر الذي دعاني لاعتباره منزلي الثاني في أي وقت أشاء ، و ذلك ما جعل الصلة بالاستاذ الراحل تتعزز أكثر فأكثر ، فكان يحدثني عن مسيرته التعليمية التي تفوّق فيها منذ مرحلة الثانوية في بغداد في نهاية الخمسينيات من القرن العشرين ، و تحصّله على منحة التفوق الدراسي إلى موسكو " عاصمة المعسكر الشرقي " و قد سبب له ذلك ، كما أفاد ، حرجا كبيرا إذ أنه سليل أسرة دينية شهيرة و معروفة تنتمي لمذهب أهل البيت عليهم السلام ، فكيف يكون مقبولا على المستوى الشعبي أن يوجه نجلها إلى دولة " الإلحاد " لإكمال دراساته الجامعية و العليا ، و مع ذلك فقد اثبت الراحل نجاحا متميزا في تحصيله حتى توّجه بالدكتوراه في العلوم الاقتصادية في بداية السبعينيات ، ليعود إلى العراق باحثا و استاذا جامعيا بارزا يساهم في إعداد أجياله للبناء و التقدم ، وقد عرفته فصول و قاعات الجامعة المستنصرية ببغداد خلال عقد كامل ، قبل أن يغادر بلاده مكرها بسبب تداعيات المواقف السياسية و تفاعلات الحرب العراقية الإيرانية ، حيث كانت سوريا محطته الثانية ، ثم الجزائر ، و أخيرا حط عصا الترحال منذ تسعينيات القرن الفارط في الجماهيرية التي ظل فيها أزيد من عقد و نصف باحثا و مدرسا و مؤلفا و مترجما و كاتبا لعشرات المقالات التحليلية و الآراء الفكرية في مؤتمرات و ندوات علمية و سياسية حول قضايا شتى تهم الأمة العربية و إفريقيا في عصر العولمة و الفضاءات العملاقة ، و قد كتب مؤلفا حول هندسة االفضاءات الكبرى و موقع الأمة العربية ضمن ذلك ، و قد أطلعني عليه منذ كان مخطوطا ، وشرفني بمراجعة بعض فقراته و محتوياته . و قام ايضا بترجمة رائعة لكتاب الاقتصادي الفرنسي " اغزافي اكريف" ، الباحث بالمركز الاقتصادي في جامعة السوربون ، حول التحليل الاقتصادي للبيروقراطية ، وقد نشرته أكاديمية الدراسات العليا في ليبيا .
وحين وقع العراق تحت سنابك الغزاة الأمريكيين و أعوانهم الدوليين و المحليين ، اشهد أنه قال لي :" إن العراق بلد الحضارات العريقة من سومر و أكد و بابل و الحضارة العربية الاسلامية ، و لايخشي عليه ابدا من هؤلاء رعاة البقر ( الكاوبوي) الذين سيندحرون كما سائر الغزاة عبر التاريخ ..." ، و أشركني معه في نقاش حول فكرة موضوع يختمر في ذاكرته حول " المشروع الأمريكي في العراق و تداعياته الاقليمية و الدولية " ، بل إنني اطلعت على المخطوطة الأولية للكتاب التي ضمنها الراحل رؤيته لبلاد الرافدين في هذه الانعطافة الحاسمة من تاريخها المعاصر ..!
و بعد ورود الانباء عن المحاولة الانقلابية التي حدثت في موريتانيا في نفس اليوم الذي كان مقررا أن يكون يوم مناقشة أطروحتي للماجستير يوم الأحد الموافق 8 يونيو 2003 اتصلت به طالبا تأجيل الموعد نظرا للتطورات السياسية و الأمنية الجارية في موريتانيا ، فوافق على الفور ، و تولي أخذ الإذن من الاكاديمية ، و تأجيل الموعد إلى يوم الخميس الموافق 12 – يونيو 2003 ، و هذا ما جعله يقول في تقديمه لي أثناء المناقشة المفتوحة " ندعوكم لمناقشة هذا البحث الذي تقدمه أطراف الأمة العربية كلها ، يعده طالب من البوابة الغربية للأمة موريتانيا ، و يشرف عليه أستاذ من البوابة الشرقية للأمة العراق ... و موريتانيا الآن تعاني تداعيات ما بعد المحاولة الانقلابية ... و العراق الآن يعاني تداعيات ما بعد احتلاله من القوات الأمريكية و اندلاع شرارة المقاومة ....الخ"!!

كما يرجع لاستاذي الراحل الفضل في تشجيعي على الدخول في برنامج الدكتوراه فوريا دون انتظار للإستفادة من عامل الزمن ، مذكرا إياي بتجربته في هذا المجال ، و قد اخترته ليكون أحد المشرفين على الأطروحة التي واكبها مضيفا وحاذفا و معدلا، حتى شارفت على الاكتمال و كان منهمكا في سياق ترتيبات السفر للمغادرة إلى العراق بشكل نهائي حتى حدث ما حدث من مرض أقعده الفراش في مستشفيات طرابلس و عمان و ماليزيا ، و كم كان أسفي كبيرا حين عرضت الأطروحة للامتحان و المناقشة في صيف 2008 ، وتعذر على استاذنا الكبير و مشرفي الثاني الدكتور علي القزويني الحضور و المشاركة في قطف ثمرة هذا العمل الأكاديمي الذي رعاه و تعهّده بالمتابعة و المؤازرة ، و شاءت إرادة الله أن يغيب عنه في هذه اللحظة المهمة ، فسبحان من يدبر الأمر كيف يشاء و لا حول ولا قوة إلا به سبحانه و تعالى .
لقد كان الراحل دمث الخلق يتحلي بسمت العلماء و تواضعهم ووقارهم ، وكانت الابتسامة تعلو محيّاه على الدوام ، و قال إن هذا من سيرة السيد جعفر بن محمد الصادق ، الإمام السادس من أئمة أهل البيت النبوي الشريف . و أذكر أنه كان في كل مرة أزوره فيها ينادي على زوجته قائلا :" أم حسين .. قدمي لنا الماء ، فهذا أحمد ضيافته بسيطة لأنه لا يشرب المنبهات لا الشاي و لا القهوة .."!
رحمك الله يا أبا حسين .. و عظم فيك الأجر .. و أثابك على ما قدمت في سبيل العلم و المعرفة ، و رزق أسرتك و أهلك ومعارفك جميل الصبر و السلوان .. و صدق رسول الله الكريم القائل :" اذا مات ابن آدم انقطع عمله الا من ثلاث : ولد صالح يدعو له ، و صدقة جارية ، و علم ينتفع به ". و قال سبحانه و تعالى : وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ
أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ .. صدق الله العظيم .

6 سبتمبر 2010

الحقيقة القومية وفق النظرية العالمية الثالثة للأستاذ مرعي علي الرمحي

تاريخ و سنة النشر : الاولى2009 
 قراءة و تحليل : الدكتور أحمد ولد نافع - باحث و أستاذ جامعي موريتاني ahmedonava@yahoo.fr 
 يستعرض كتاب الحقيقة القومية وفق منظور النظرية العالمية الثالثة قضية جدلية مهمة تباينت حولها رؤى و تحليلات المفكرين من شتى فروع المعرفة . و يتصدي الاستاذ مرعي علي الرمحي لهذا الموضوع بعد ان فشلت ، بحسب قوله ، كل من الرسالمالية و الماركسية في جلاء الحقيقة التي طرحتها النظرية العالمية الثالثة ( فكر الأخ القائد العقيد معمر القذافي) .

1 سبتمبر 2010

كتاب الاسلام كمجاوز للحداثة و لما بعد الحداثة للدكتور سالم القمودي



قراءة و عرض : الدكتور أحمد ولد نافع - الباحث و الأستاذ جامعي


عن مؤسسة الانتشار العربي اللبنانية صدر هذا الكتاب " الإسلام كمجاوز للحداثة و لما بعد الحداثة " لمؤلفه الباحث و الكاتب الليبي الدكتور سالم القمودي ..

و من أجل دراسة موضوعه فقد قام الكاتب بتقسيمه إلى ستة أجزاء احتوت على حوالي ستة عشر فصلا ، وقد ركز الجزء الأول على موضوعات " الإسلام والفلسفة والعلم " ، تم فيه استعراض كافة الإشكاليات المرتبطة بعلاقة هذه الموضوعات ببعضها البعض ، حيث يخلص المؤلف إلى أن الدين هو الذي يملك مفاتيح معرفية نهائية للحقيقة ، وبالتالي فهو القادر على إنهاء حيرة الأسئلة الوجودية التي يثيرها الإنسان منذ القدم . لأن الفلسفة - بحسب كانط – يجب عليها التخفيف من ادعاءاتها لمعرفة الحقيقة النهائية . كما أن النص ( الإسلام) من عند الله ، وهو متعال و مجاوز فوق الإنسان وعقله . وبالتالي فالعداء بين الإسلام والفلسفة أو بين الإسلام والعلم لا مبرر له إطلاقا .

أما في الجزء الثاني فناقش الكتاب مفهوم " الحداثة و ما بعد الحداثة " ، ويري المؤلف أن البدايات المؤسسة للحداثة كرؤية فلسفية بدأت ، ربما ، مع ديكارت 1596-1650 ، حيث غدت الذاتية هي الأساس الفلسفي للحداثة وأعيد اكتشاف بروتاجوراس اليوناني لتأكيد هذه النزعة الإنسانية النسبية ، ثم بعد ذلك أشعلت أفكار " عصر الأنوار" في القرن الثامن عشر المفرطة في تمجيد العقل ، وسرعان ما تم تجاوز ذلك مع الفلاسفة الألمان " إيمانويل كانط 1724 -1804 " ، ثم بلغت الذاتية قمتها مع هيغل 1770-1831 الذي اعتبر الذات هي المبدأ المطلق لكل معرفة ، وسرعان ما اعتبر " هيغل " أن الدولة البروسية هي نهاية التاريخ ، وكان ذلك هو المهاد الفلسفي الذي ولدت فيه فكرة " نهاية التاريخ"!

ويجزم المؤلف ، بتحليل معمق ، أن الذاتية أطاحت بحياد العقل ، و الإيمان ، و قطعت الصلة بالماضي ، و فصلت بين الدين والدولة ، كانت تلك هي ملامح الحداثة المنقلبة على الميتافيزيقا ، غير أن التقدم العلمي أكسب الحداثة وهجا و ألقًا غطيا على كل سلبياتها و اختلالاتها .

وجاء فكر " ما بعد الحداثة " ( أول من استخدمها المؤرخ البريطاني توينبي في سنة 1959) كردة فعل في الإفراط في ذاتية الحداثة التي فشلت بشكل مريع على المستويات الأخلاقية والنفسية والاجتماعية ، وبالتالي تم رفع شعار " نسبية المعرفة و عدم قبول تعميمات تنطبق على كل الثقافات .." ، بل إن البعض " نيتشه" ذهب بعيدا في رد الفعل على مشروع الحداثة و نادي بـ" الفوضى"! ..إن جماع مشروع ما بعد الحداثة يرفض نقديا الصروح الفكرية الفلسفية الكبرى ويتبني الدعوة الحاسمة لتفكيكها كمناهج وأشياء وأفكار وقضايا ..وهكذا ولدت مدارس " الوجودية " و " البنيوية " و " التفكيكية " ..و بالرغم من ذلك لم تستطع " ما بعد الحداثة " إنهاء أزمة الاطمئنان النفسي الاجتماعي ، وكذا القلق والتوتر! مما جعل البعض يصفها بأنها إيديولوجية عدمية تزرع اليباب في كل مظاهر الكينونة الإنسانية وتنذر بالموت .

ويركز الجزء الثالث على مفهوم " اعتبار الإنسان " ، وذلك من خلال تتبع موقف الحداثة وما بعد الحداثة من الإنسان ، فالأولى جعلت الإنسان مركز الكون والعقل مصدرا لكل حقيقة ويقين معرفي ، أما الثانية فقد نقدت " إنسان الحداثة " ، وانقسمت إلى تيارين :
الأول عبثي منغمس في اللاعقلية و الفوضوية لا يعترف بمعايير أو قيم إنسانية أو أخلاق موضوعية .. ومن أمثلته " الألماني : فردريك نتشه 1844-1900 " ، و " مارتن هايدجر 1889-1976 " الذي قاد خطابا تفكيكيا للميتافيزيقا لا هو فلسفي عقلاني و لا هو مقتدي بالخطاب العلمي .

الثاني يؤمن أن العلم هو مصدر إلهام للنزعة الإنسانية .. ومن أمثلته ، رائد البنيوية " ليفي ستورس " ، وهي مدرسة تلغي مفهوم الذات ومكوناته ، الوعي و الإرادة . بل إن البنيات اللاشعورية هي التي تتحكم في جميع فعالياته .

و قد ظهر مفهوم " اختفاء الإنسان " لدى الفيلسوف الفرنسي " ميشيل فوكو " في سنة 1984 ، حيث ذاعت مقولته :" إن الإنسان اختراع حديث العهد ، صورة لا يتجاوز عمرها مائتي سنة ، إنه مجرد انعطاف في معرفتنا ، وسيختفي عندما تتخذ المعرفة شكلا آخر جديد.."!

أما الإسلام ، كدين سماوي ، فقد أنزل الإنسان مكانه الأنسب ، وفي القرآن الكريم آيات بينات تعكس التكريم الذي حظي به الإنسان الذي فضله الله سبحانه على جميع مخلوقاته وأمر الملائكة بالسجود له ، وحفظ له نفسه و حرّم عليه قتل نفسه أو غيره إلا بالحق ، وحفظ له دينه وعقله و ماله ونسبه ، وحرّم عليه الظلم والاستبداد والطغيان وأمره بالإحسان وإقامة العدل والقسط .ووضّح له سبيل الرشاد والهدى وزكاه وألهمه الفجور والتقوى وأعطاه أدوات المعرفة ويسّر له سبل الإدراك ، وعلّمه ما لم يكن يعلم ، وأجاب عن تساؤلاته وحيرته ، وحمّله مسؤولية عمله وكسبه ، وجعل بينه وبين غيره من بني آدم المساواة. وإذا كانت دعوى الحداثة أنها أعادت الاعتبار للإنسان من سطوة الكنيسة و ظلم البابوات وصكوك الغفران ، فإن الإنسان في الإسلام لم يفقد يوما اعتباره كإنسان ولم يفقد حريته وقدرته على المبادرة والاختيار ، لأن ذلك كان اختيارا من الله سبحانه وتعالي .

أما الجزء الرابع فقد تناول " حقوق الإنسان : آراء وملاحظات" ، حيث إن الموضوع كان من ضمن أهم شواغل الفكر الليبرالي الأوروبي في العصر الحديث ، وكانت بدايتها مع إعلان الاستقلال الأمريكي 1776 ، ثم إعلان حقوق الإنسان والمواطن الفرنسي بعد سقوط الباستيل 1789 ، ودستور الثورة الفرنسية 1793 ، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر من الأمم المتحدة 1948 ، وحزمة من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية المتعلقة بالحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية ..و يجدر بالذكر أن كل ذلك كان وليدا خاصا للثقافة الأوروبية والأوضاع المحلية ، وهي بذلك غير قابلة للتعميم و " العالمية " لعدم إدماج تراث باقي الثقافات الأخرى فيها ..!

أما في الإسلام فحقوق الإنسان مستمدة في شرعيتها من الله سبحانه وتعالى وليست منة أو تكريما إلا منه عز وجل ، ومنها حرية المعتقد فـ" لا إكراه في الدين "( البقرة – أية 256). ولكنها لا تعني حرية الخروج من الإسلام بعد اعتناقه باعتبار ذلك خيانة للمجتمع المسلم . وكذا حقوق المرأة في ممارسة دورها في المجتمع بما يكرمها ويحفظ لها مكانتها ، عكسا للفلسفات الأخرى التي تاجرت بالمرأة و " رجّلتها" ( حولتها إلى رجل )! وامتهنت إنسانيتها وحولتها إلى سلعة وإعلان ودعاية!

الجزء الخامس انحصر فيه الجهد على مناقشة علاقة " الإسلام والغرب" ، ويري المؤلف أن الغرب لا يريد أن يفهم الإسلام على حقيقته ( بشهادة الأب روبير كاسبار) ، بل إنه أكثر من ذلك يخوض ضده حربا تحت شعارات تبطن غير ما تظهر هي : الديمقراطية و حقوق الإنسان ، والإصلاح وحقوق المرأة ، ومقاومة الإرهاب ..الخ ، ولم ينحصر الجهل بالإسلام في أوساط المثقفين والسياسيين ، بل إن رجال الدين غدوا مثالا على ذلك ، كما هو شأن البابا الحالي للمسيحيين " بنديكت السادس عشر " في محاضرته العدائية الشهيرة في جامعة " ريجينس برغ " في ألمانيا يوم 12/9/2006 .. ويري المؤلف أن أحداث سبتمبر 2001 هي أخطاء بحسب البعض ، وهي أخطاء لدفع أخطاء حسب آخرين !

وإذا كان لا بد من محاكمة من قاموا بتلك الأحداث في نيويورك أو لندن أو مدريد ، فلابد بنفس الأهمية والحرص من مقاومة من احتل فلسطين وغزا العراق وأفغانستان واحتلهما ودمرهما وأعادهما إلى العصر الحجري!.

أما الجزء الأخير ، فقد حاول أن يتصّور " النهوض الحضاري الإسلامي" ، وذلك من خلال التأكيد على أهمية البعد الديني الأخلاقي الإنساني الذي يصنع التقدم دون الفساد في الأرض أو العدوان والبغي و الظلم على الآخرين . ولا بد من التفريق بين الحداثة كفلسفة ورؤية للكون والحياة والتحديث كمنجز علمي وتقني يسهم في التقدم الإنساني .

وأشار المؤلف إلى أهمية " تصحيح " القراءة الخاطئة للإسلام ، وهي قراءته من خلال مناهج وآليات الآخرين و إيديولوجياتهم ، أو قراءته من خلال التحريف اللاحق بالمسيحية واليهودية ومساواة الإسلام بذلك و افتراض نفس الشيء عليه ، أو قراءة الإسلام من خلال سلوك المسلمين السياسي وما فيه من ملك عضوض وجور وظلم ! ، أو القراءات البدعية للقرآن الهادفة إلى ممارسة النقد ضد آياته ، أو تطبيق مناهج " الأنسنة" أو " العقلنة " أو " الأرخنة " عليه .. ومن أمثال القراءات والتأويلات الخاطئة ما جاء به مصطفي كمال أتاتورك في تركيا منذ 1924 ، وقراءة الغرب للإسلام التي أنتجت غزوه واحتلاله في فلسطين والعراق و أفغانستان ، وقراءة بعض المسلمين أنفسهم للإسلام مما حوّله إلى طوائف ومذاهب وأحزاب ..

ويضع المؤلف أسسا وقواعد لقراءة الإسلام بشكل صحيح ، وهي الإيمان والتسليم به وبما جاء فيه ، وأنه من عند الله , ومرتبط ببعضه البعض ، ومطلق في الزمان والمكان ، ونقرأه لذاته وليس لدواعي إيديولوجية أو مذهبية .. وربما قراءة بتلك الملامح تحتاج إلى ثروة ( وربما ثورة ) معرفية كبرى ، تسهم في معرفة الواقع والقدرة على تغييره فرديا وجماعيا ، بالإرادة والعلم من أجل تحول الأفكار المجردة لإنجازات واقعية ملموسة ، فتتحقق غايات الفكر و أهدافه ومقاصده في الواقع .

ويناقش المؤلف شروط النهضة ويحددها في أن ينبع المشروع النهضوي من ذات الأمة الفكرية والثقافية ، وفكر إسلامي معاصر يؤسس على الثروة الفقهية وينفتح على متغيرات العصر ، ويقدم رؤية للعالم ولمكانة الإنسان فيه ، ويفهم حقيقة جوهر الدين وأهميته للمؤمن ، و تجذير الشورى كأصل ثابت للحكم في الإسلام ، وانتهاج التفكير النقدي ، والاعتراف بالرأي الأخر ، وتحقيق العدل ، والارتقاء بمستوى التطبيق ، والمحافظة على حياد العقل ، والانطلاق نحو البناء .. وبذلك يكون المؤلف قد أجاب بثقة علمية على العنوان والافتراض الأساسي لكتابه حول إمكانية أن يكون الإسلام فعلا " مجاوزاً للحداثة و مابعد الحداثة"!!

ويمكن اعتبار هذا الكتاب العاشر في سلسلة من الإصدارات التي بدأها صاحبها منذ أزيد من عقد ونصف إضافة كبرى للمكتبة العربية ، علاوة على أنه يسهم في تكوين العقل العربي والإسلامي بهذه المطارحات النقدية للإشكالات المفاهيمية التي يتصدي لها والتي أثارت الكثير من اللغط في الزمن العربي والإسلامي الراهن ، فإنه أيضا يقدم جهدا علميا ثريا وأصيلا ، لا يكتفي فيه بعرض آراء الفلاسفة والمفكرين ، بل إنه يناقشهم ، ويقدم رأيه بوضوح لا لبس فيه ولا تردد .

ولذلك فإن "سالم القمودي" يضيف حجرا جديدا في مشروعه الفكري والثقافي المتميز عن مشاريع ومحاولات عربية جريئة شغلت الساحة الفكرية العربية في القرن الماضي . وقد يكون من الظلم الكبير للكتاب وصاحبه أن يكتفي المرء بقراءة واحدة مستعجلة للوقوف على مضامين الرسالة التي يبغي توصيلها ، بل إن الإنصاف والموضوعية يقتضيان أن تعاد القراءة أكثر من مرة من أجل استكناه الغموض وتوضيح كافة زوايا الحقيقة التي سعي إلى رسمها في هذا الجهد العلمي الكبير .

10 أغسطس 2010

واقع التنمية العلمية و التقنية في موريتانيا

ذات يوم اتصل بي الإخوة في الشبكة الاسلامية للتنمية العلمية للاستفسار عن الوضع الحالي للتنمية العلمية و كيف يمكن إنجازها في موريتانيا ؟؟
فأجبتهم كما يلي :


واقع التنمية العلمية والتقنية في موريتانيا متواضع إلى أبعد الحدود ، حيث تنعدم بشكل شبه كلي البنية التحتية العلمية والتقنية باستثناء معهد يتيم ومراكز بدائية تهتم بهذا الموضوع وهو ما لايتناسب البتة مع ما تتطلبه عملية التنمية العلمية والتقنية في موريتانيا إضافة إلى أن واقع العلم والبحث العلمي في موريتانيا التي كانت تاريخيا بلد العلم والعلماء بالمفهوم التقليدي لذلك طيلة قرون.

أما الآن فتخيل أن دولة لا توجد فيها جامعة واحدة متكاملة والجامعة الموجودة واسمها جامعة انواكشوط تأسست في بداية الثمانينيات وتحوي ثلاث كليات فقط كلية الاقتصاد والقانون وكلية الآداب والعلوم الانسانية وكلية العلوم والتقنيات الحديثة سابقا تسمي المعهد العلمي العالي

هذا يعني أنه لا توجد لا كلية للزراعة مع العلم أن الزراعة هي أحد الانشطة المدرة للدخل لأكثر من 60% من السكان في موريتانيا كما لا توجد كلية للطب والمفارقة هي وجود المعهد الوطنى للتخصصات الطبية وهو معهد
يعمل على إعطاء شهادة زمالة في الطب للحاصلين على شهادة الباكالوريوس في الطب ؟؟!! وكذلك توجد مدرسة
بسيطة من حيث الامكانيات والموارد تسمي المدرسة الوطنية للصحة تعمل على تخريج الممرضين والممرضات ويتم
الدخول إليها بشهادة الإعدادية ومدة الدراسة فيها ثلاث سنوات كما أنه لا توجد كلية للهندسة وللمرء أن يتصور أي نهوض يمكن أن تحققه بلاد تستورد حملة الباكالوريوس في أفرع الهندسة المختلفة ولا يمكن أن يتم إغفال غياب
الدوريات العلمية والنشاط البحثي في جميع كليات الجامعة نظرا للظروف المادية الصعبة لأعضاء هيئة التدريس
ورواتبهم الضئيلة.

أعتقد أن تأسيس وزارة للتعليم العالي والبحث العلمي خطوة على الطريق الصحيح خصوصا اذا تم بناء الإطار المناسب علميا وماليا لذلك و تم إكمال النواقص في التعليم العالي وفتح جامعة أخرى على الأقل واحدة وكذا برنامج الدراسات العليا في شتى التخصصات وبالذات الطب والهندسة وذلك للمساهمة في حل مشكلات شعب لايصل
إلى ثلاث مليون نسمة ويملك موارد ومساحة من الأراضي تزيد على المليون كلم مربع وقد يكون إسناد الوزارة إلى الدكتور الناجي ولد محمد محمود وهو الأستاذ الجامعي الذي يدرس في الجامعة ويعرف حقيقة ومشكلات البحث العلمي بادرة طيبة ،بالرغم من أن تخصصه هو الاقتصاد إلا أنه خبير معتمد في المحاسبة لدي المحاكم الموريتانية ومدير الوثائق الوطنية حتى تاريخ تعيينه قبل أسبوع.

ويمكن النهوض أو بالأحرى بناء تنمية علمية وتقنية في موريتانيا إذا أسندت مهمة البحث وتقييم مشكلات البحث العلمي إلى متخصصين وأكفاء وكذلك إذا كان هناك دعم مالي يتناسب مع ما توليه الدول الأخرى للباحثين فموريتانيا الآن شبه خالية من باحثيها الجادين الذين تراهم مشتتين بين الجامعات العربية والأوروبية والأمريكية لأنه لا مكان لهم في وطنهم وبالتالي ليس أمامهم من سبيل إلا الهجرة لمن يحتاج البحث العلمي ويقدره حق قدره.

17 يوليو 2010

صاحب المدونة في مدينة صبراتة الأثرية


نظمت أكاديمية الدراسات العليا الليبية على شرف المشاركين في مؤتمر التعريب في مؤسسات التعليم العالي العربي في عصر العولمة رحلة أثرية للاطلاع على إحدى المعالم التاريخية الليبية الشهيرة ، و هي مدينة صبراتة الأثرية ، التي بنيت في العهد الفينيقي منذ ستة قرون قبل الميلاد .
وقد استمتع المشاركون ، ومنهم صاحب المدونة ، باستعراض صفحات مهمة من تاريخ المدينة العريقة التي شهدت العديد من الأحداث التي بقيت رموزها شاهدة حية على ما وصل إليه الإنسان من رقي وتمدن ما زال صامدا على مر الدهور و الأزمان ..

صاحب المدونة أول المتحدثين في مؤتمر التعريب في أكاديمية الدراسات العليا الليبية

اختارت اللجنة التنظيمية للمائدة المستديرة حول التعريب في مؤسسات التعليم العالي العربي في عصر العولمة صاحب المدونة ، الدكتور أحمد ولد نافع ، ليكون أول المتحدثين بورقته البحثية عن " انعكاس التعليم بلغات أجنبية على التنمية و التطور في الجامعات العربية " ، حيث أكد في مضمونها أن هذا التعليم بلغات أجنبية ، ايا كانت ، لم - و لا يمكن - أن ينعكس ايجابيا على التنمية في البلدان العربية ، و ذلك من واقع تجربة الجامعات العربية التي تدرس في الكثير منها بالانجليزية او الفرنسية ، ولكنها - رغم ذلك - لا تزال أبعد ما تكون عن الإسهام الجدي و الحقيقي في مسار عملية التنمية الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية .
وكان المؤتمر قد بدأ يومه الخميس الموافق 15 يوليو ، في قاعة المؤتمرات الدولية في أكاديمية الدراسات العليا الليبية في جنزور - طرابلس و قد افتتحه الأستاذ الدكتور صالح ابراهيم المبروك أمين الأكاديمية التي تنظم الملتقي و تشرف عليه .
و قد وجهت الدعوة للمشاركة ببحوث أو مداخلات علمية إلى عدد من الخبراء و الأكاديميين العرب المعنيين بقضايا التعريب في مؤسسات التعليم العالي في الوطن العربي .
و قد شاركت في المؤتمر وفود متنوعة من بلدان عربية مختلفة أبرزها الجماهيرية و الجزائر و السودان وسوريا و سلطنة عمان ، وموريتانيا التي مثلها إلى جانب صاحب المدونة ، الأخ الدكتور محمد محمود ولد الشيخ ، استاذ الأدب و النقد في المعهد العالي للدراسات و البحوث الاسلامية .

28 مايو 2010

صاحب المدونة يلقي محاضرة في تونس عن تجربة موريتانيا في الشراكة مع أوروبا

ألقي صاحب المدونة محاضرة حول التجربة الموريتانية في الشراكة مع أوروبا : قراءة في المسار و الحصيلة ، ضمن فعاليات الندوة الدولية التي تعقدها جمعية الدراسات الدولية في تونس بالتعاون مع مؤسسة فرديدك ايبرت الألمانية ، و قد شارك في الندوة التي استمرت يومي السابع و العشرين و الثامن و العشرين من مايو عدد من الخبراء المغاربيين و الأوروبيين ، وكانت مجالا مفتوحا للحوار وتبادل الراي حول الموضوع الرئيسي للندوة وهو : التعاون الاقتصادي المالي شمال جنوب الانتظارات و العراقيل .
المصدر : صحراء ميديا

16 مايو 2010

الانتخابات السودانية في حلقة نقاشية في موريتانيا

نواكشوط
احتضن فندق الوصال في نواكشوط يوم 13/ مايو / 2010 ندوة موسعة لمنتدي الفكر و الحوار الديمقراطي في موريتانيا ناقشت الانتخابات السودانية ، و شارك فيها مثقفون موريتانيون و سودانيون ، يتقدمهم سعادة السفير السوداني في نواكشوط السيد ياسر خضر ، وقد افتتحت الحلقة النقاشية من طرف رئيس اللجنة التحضيرية للندوة ، الدكتور أحمد ولد نافع **، الذي نوه بالجذور التاريخية للعلاقات السودانية الموريتانية التي أرست دعائمها ركاب الحج الشنقيطية على مدى قرون ، و أن هذه الندوة تكرس نوعا من الوفاء لتلك العلاقات الإنسانية الخاصة بين الشعبين الشقيقين في السودان و موريتانيا . وتقدم بالتنويه بجهود منتدي الفكر و الحوار ، الذي هو أول مركز فكري و ثقافي في موريتانيا تأسس منذ سنة 1992 ، حيث نظم عشرات الندوات و المؤتمرات ، و نشر بعض المؤلفات عن موريتانيا الثقافة و الدولة و المجتمع .
أما رئيس منتدي الفكر و الحوار الديمقراطي في موريتانيا الأستاذ أحمد ولد الوافي ، فقد قدم في مداخلته الافتتاحية أبرز المحاور البحثية التي ستتطرق لها الحلقة النقاشية ، و أهمها : اتفاقية السلام نيفاشا يتحدث عنها السفير ياسر خضر، و الإطار اللوجستي للانتخابات السودانية يتحدث عنه النائب البرلماني محمد ولد ببانه ، و دور المفوضية القومية المستقلة للانتخابات يتحدث عنه الأستاذ أحمد محمد عبد الله ، و مواقف الأحزاب السياسية السودانية يتحدث عنها الأستاذ أحمد الوافي ، و دور وسائل الاعلام في الانتخابات السودانية للدكتور أحمد ولد نافع ، و طبيعة المراقبة المحلية و الدولية للانتخابات السودانية للمحامي السالك ولد اباه ، و إسهام الانتخابات السودانية في تعزيز التحول الديمقراطي في الوطن العربي للدكتور حماه الله ولد السالم ، و السودان و ما بعد الانتخابات للوزير المفوض الأستاذ احمد التيجاني سوار .
وقد شهدت الندوة بعد إلقاء البحوث الرئيسية نقاشا مستفيضا وتعقيبات مهمة شارك بها نخبة من المثقفين و السفراء و الوزراء السابقين و الأكاديميين و الإعلاميين ونائب رئيس مجلس الشيوخ محسن ولد الحاج .
وقد شهدت الندوة انزعاج الوزير و السفير السابق محمد محمود ولد ودادي ، نائب رئيس حزب التكتل المعارض ، من تشبيه المفوضية القومية المستقلة للانتخابات بنظيرتها الموريتانية ، مبديا رفضه لذلك الإسقاط .. وقد خالفه نسبيا في الرأي رئيس المنتدي و السفير السوداني ، حيث اعتبرا النقاش بين النخبة المثقفة السودانية و الموريتانية للتجارب الديمقراطية لكليهما ظاهرة صحية و أمر طبيعي يجب أن يفهم في سياقه العادي.
و يجدر بالذكر أن الندوة تمت برعاية شركة شنقيتل للاتصالات ، وهي إحدى رموز التعاون الاقتصادي الثنائي بين موريتانيا و السودان .


**  نص كلمة التقديم لرئيس اللجنة التحضيرية للحلقة النقاشية د.أحمد ولد نافع :
بسم الله الرحمن الرحيم و صلى الله على نبيه الكريم

تقديم :
أحييكم بأكمل عبارات السلام ..
وبعد ،،، فإنها سانحة نتيحها لكم  ، ايها الحضور الأعزاء ، في رحاب منتدى الفكر و الحوار الديمقراطي في موريتانيا في موريتانيا  ضمن حيويته ونشاطه الدؤوب منذ عقدين من الزمن حين كان أول مركز فكري وثقافي وحواري  يتأسس لفائدة المثقفين و الباحثين و الأكاديميين  من مختلف المشارب و الاتجاهات السياسية ..وهو بذلك يستحق من كل المنصفين و الخيّرين الشكر الجزيل و التقدير المستحق  على ماقام و يقوم به بفضل جهود مؤسسه الأستاذ المفكر أحمد ولد الوافي رئيس المنتدي ..و لاشك أن الكثيرين  يأملون تواصل مثل هذه اللقاءات و الحلقات النقاشية  الفكرية و الثقافية  ، و حسبها الاستمرار  من أجل إشاعة نور المعرفة  التي هي حق طبيعي لكل إنسان .
في هذه المرة  ، يعبر بكم المنتدى  من تخوم إلى تخوم .. من بلاد شنقيط المنارة و الرباط  ..إلى بلاد السودان سودان العزة و الأصالة ..وهو بذلك يربط الحاضر بالماضي مؤسسا للمستقبل الزاهر إن شاء الله تعالى ..
فقد ظل آباؤنا و أجدادنا يمتطون ظهور عيسهم ميممين شطر البلاد المقدسة في الحجاز التاريخي  عابرين ومتزودين بالتقوي تصميما و إرادة  كانا يتعززان لديهم حين يطأون أديم السودان الجميل من أية نقاط تماسه ، سواء كانت في الفاشر أو كردفان أو دارفور أو الأُبيّض .. بل إن منهم من كان يضع عصى ترحاله ليتفرغ لمهمة مقدسة أخرى  هي تدريس و تعليم الفقه المالكي أو تصوف الجنيد البغدادي ..وهكذا يكون طبيعيا ، بل و جميلا ، أن يتدارس أحفاد أولئك السودانيين  و هؤلاء الشناقطة  شأنا مشتركا لأحدهما أو كلاهما ..و لا يخفي  ما يضمره  ذلك  من المعاني السامية  المعتقة بالوفاء و المحبة و الألفة و التضامن الأخوي و الإنساني ، خصوصا أن السودان  و موريتانيا هما جزء لا يتجزأ  من أمتهما العربية و الإسلامية العظيمة ذات الرسالة الخالدة  ، وهي الأمة المعتدي عليها في عصر القصعة  ، عدوانا خارجيا يترجمه التآمر و الغطرسة و الاحتلال المباشر في أكثر من ساحة عربية  ، و عدوانا داخليا - للأسف - يعكسه الاستبداد و الظلم و القهر و الطغيان .

ايها الحضور الأكارم ،،
أود ، أيضا ، الإشارة إلى التشابه الكبير بين الشعبين في السودان و موريتانيا ..حيث تكاد العقليات و التفكير و التصورات تتطابق و القبائل و العشائر كذلك.. بل و المشاكل تكاد تكون هي نفسها ، و الهجرة التي أنتجت  الشعب السوداني عبوراً  من البحر الأحمر ..ألا تعيد ذكراها  الهجرات الهلالية و السليمية من الصعيد  المصري إلى فيافي الصحراء الكبرى و دواخلها الجنوبية .. ثم ألا يكون في الترابط السياسي  و الاقتصادي الحالي  أو المستقبلي  بين السودان  و موريتانيا هجرة ارتدادية بمعني معاصر للتواشج القائم  تاريخيا بين الشعبين الشقيقين .
في هذه الحلقة النقاشية  كأننا نقرأ التجربة الموريتانية  في مرآة التجربة السودانية  في واقعها و مآلاتها المستقبلية  قياسا مع الفارق ، طبعا ،  برأي الأصوليين .

أتمنى أن تكون هذه الحلقة النقاشية  فرصة للحوار  و التفاكر  الهادئ الموضوعي ..و اللهَ نسألُ التوفيق إنه ولي ذلك و القادر عليه ..
و السلام عليكم و رحمة الله  و بركاته ..
المصدر : وكالات أنباء محلية

10 مايو 2010

ندوة المركز المغاربي للبحوث و الدراسات الاستراتيجية حول كتاب الوزير

حضر صاحب المدونة ، الندوة التي نظمها المركز المغاربي للبحوث و الدراسات الاستراتيجية حول صدور كتاب : الوزير - تجربة وزير مدني في حكم عسكري ، لمؤلفه الوزير و السفير الأسبق الأستاذ محمد محمود ولد ودادي ، و قد كانت الندوة فرصة للحوار بين عينة متميزة من النخبة السياسية و الثقافية الموريتانية ضمت أجيالا مختلفة من رؤساء أحزاب و وزراء ومسؤولين سابقين في قطاعات الثقافة و الفكر .

3 مايو 2010

ندوة الصحافة الوطنية بين الحرية و المهنية

نظمت نقابة الصحفيين الموريتانيين مساء أمس بفندق وصال ندوة بعنوان "الصحافة الوطنية بين الحرية والمهنية"، حضر الندوة ، صاحب المدونة و جمع من الإعلاميين ورؤساء الأحزاب السياسية " الاتحاد من اجل الجمهورية " ، و " تواصل " ، و " التكتل " و " حاتم " .. الخ و بعض الوجوه الفكرية والثقافية و الاعلامية . الندوة كانت عبارة عن "نقاش" لوضعية الحريات الصحفية والصحافة بشكل عام في موريتانيا، مشكلاتها و ظروفها و مستقبلها في ضوء " الحرية و المهنية " و هما الشعار الذي انتظمت الندوة تحته .

بدأت الندوة بكلمة نقيب الصحفيين الموريتانيين الحسين ولد مدو، لتبدأ بعد ذلك مداخلات الجالسين على المنصة وهم محمد محمود ولد ودادي محمد باب ولد اشفاغا و عبد لله ممدو با و عبد الرحمن ولد حرمه وعبد الله ولد محمدو و الإمام الشيخ اعل . وقد أدر فعاليات الندوة الصحفي موسى ولد حامد مدير الوكالة الموريتانية للأنباء سابقا و المدير الناشر لجريدة بلادي .

28 أبريل 2010

ورشة حول العدالة الانتقالية في موريتانيا

انطلقت ، بحضور صاحب المدونة ، اليوم في نواكشوط 28 ابريل 2010 - فندق وصال ورشة حول " العدالة الانتقالية في موريتانيا الواقع و الآفاق " بمبادرة من مركز الكواكبي للتحولات الديمقراطية ( تونس) ، و بالشراكة مع المركز العربي الافريقي للاعلام و التنمية و نادي المثقفين الموريتانيين للديمقراطية و التنمية ، وبدعم من التعاون الألماني GTZ ، و بعد الكلمات الافتتاحية استمع الحضور لمداخلة رئيسية للاستاذ أحمد شوقي بنيوب ( المغرب) حول مفهوم العدالة الانتقالية و التجربة المغربية بالخصوص ، ثم تعرضت ورقة الدكتور محمدو ولد محمد المختار للتجربة الموريتانية ، وفتح النقاش بحضور رئيس اللجنة الوطنية لحقوق الانسان ، وعدد من السفراء و الوزراء السابقين المهتمين بالموضوع .

21 أبريل 2010

المفهوم الليبرالي للمجتمع المدني*

بقلم / الدكتور أحمد ولد نافع -

يهدف هذا البحث إلى استعراض المفهوم الليبرالي للمجتمع المدني بشكل مختصر ، و من أجل ذلك سيدور مدار الموضوع على محاولةالاقتراب من الإجابة علي التساؤلات التالية و إثارة الانتباه إليها :

ما المقصود بالمجتمع المدني . و ماهي مقاربة الليبرالية للمجتمع المدني . و هل هناك مجتمع مدني و مجتمع غير مدني . و لماذا باتت المؤسسات الدولية كالأمم المتحدة و البنك الدولي تهتم أكثر من ذي قبل بموضوعات ذات صلة بالمجتمع المدني .

شيء من الخلفية

لا يسعني في هذه السانحة إلا أن أحدد ، بشكل عام و دون الدخول في تأصيلات علمية ومنهجية لليبرالية ، أن هذا المفهوم يطلق على الحرية على نحو شمولي ، وهي مشتقة من الليبرالية ، وهو مصدر من كلمة " liber اللاتينية التي تعني الحر .

و بالرغم من أن قدماء الفلاسفة و المصلحين قد نادوا دائما ، كل في ظروفه ، بالحرية و نشدوها ، ومنهم من قدم حياته ثمنا لها ، إلا أن الفلسفة الليبرالية ، بامتداداتها الحالية ، قد تبلورت – على الأقل – منذ عصر الأنوار و ما أدى إليه من ثورات رفعت شعارات الحرية " الليبرالية " و الأخوة و المساواة ، على النحو الذي فعلت الثورة الفرنسية الشهيرة بوضوح لا يقبل التأويل .

و حجر الزاوية في الليبرالية أن الفرد يجب أن يعيش حرا طليقا من القيود و الأغلال مهما كانت ، و ربما ذلك ما جعل الفردانية أو الفردية تطلق لدي البعض أحيانا كمرادف لليبرالية . ويتأسس على ذلك أن تكون اختيارات الإنسان ، أي إنسان ، حرة وفقا لرؤيته و قناعاته الفكرية . و حين يتحرر الأفراد ، الذين محصلتهم جميعا هي المجتمع ، يكون هذا الأخير مجتمعا حرا وسعيدا ، وذلك هو الهدف الأساس .

ويؤكد أغلب فلاسفة و منظرو الليبرالية على تلك المضامين حتى ولو تعددت مداخلهم التحليلية من فيلسوف إلى آخر ، فمثلا توماس هوبز (1588 - 1679) صاحب مفهوم الحق الطبيعي كان سلطوي النزعة غير أن فلسفته الاجتماعية تأسست على حق الحرية والاختيار . أما جون لوك (1632 - 1704) و هو فيلسوف تجريبي ، فقد كان ديموقراطي النزعة، ولكن ذلك أيضاً كان نابعاً من حق الحرية والاختيار . بينما كان جيرمي بنتام 1748 – 1832 صاحب نزعة نفعية " براغماتية " ، بحكم قراءته لدوافع السلوك الإنساني (الفردي) الأولى ، وكانت الحرية والاختيار هي النتيجة في النهاية.. و هكذا دواليك مع أشباههم و نظرائهم من الفلاسفة الآخرين منذ هيغل و ماركس الى آليكس دي توكفيل و غابرييل آلموند و سيدني فيربا .

و يعتبر هذا هو المهاد الفكري للطرح الليبرالي ، الذي نشأ في المجتمعات الأوروبية بعد انهيار الإقطاع و تأسيس الدولة الوطنية و سيادة الرأسمالية ، منذ القرن السادس عشر الميلادي على الأقل .

ما المجتمع المدني ؟

لقد حاول الكثيرون ، كل من خلال حقله الاختصاصي ، أن يقدموا محاولة تعريفية لمفهوم المجتمع المدني ، سواء من خلال خصائصه ، أو الدور المنوط به .

فهناك من عرفه «إنّه المجتمع الّذي يقوم على المؤسّسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تعمل في ميادينها المختلفة في استقلال نسبي عن سلطة الدولة ; لتحقيق أغراض متعدِّدة ...»[1] .
و يرتكز – بحسب البعض – على الأبعاد التالية[2] :
1 ـ في المجال الاقتصادي يعتمد على حرِّيّة السوق .
2 ـ وفي المجال السـياسي يقوم على أساس استمداد السّلطة من إرادة الشّعب ( النظرية النيايبية التمثيلية ) .
3 ـ إنّ مفهوم المواطنة يحدِّده القانون الّذي يضعه البرلمان .
ويُعرِّف آخرون المجتمع المدنيّ بأ نّه المجتمع الّذي يتلاشى فيه دور السّلطة إلى المستوى الّذي يتقدّم فيه دور المجتمع على دور الدولة ، بل ويذهب فريق آخر إلى اعتبار السّلطة وجوداً معارضاً ومواجهاً لوجود الدولة ; لذا يجب تقليص دورها ليسود دور المجتمع .
ويُركِّز الّذين كتبوا عن المجتمع المدنيّ أنّ هذا المجتمع هو الوجود الثالث بين الفرد والدّولة ، بين الفلسفة الفردية التي تعطي مجالاً غير محدود للفرد ، وبين نظريّة سيطرة الدولة ، واتِّساع سلطتها ونشاطها .
وعُرِّف المجتمع المدني أيضاً بأ نّه : «مجموعة التنظيمات التطوّعيّة الحرّة التي تملأ المجال العام بين الاسرة والدولة لتحقيق مصالح أفرادها ملتزمة في ذلك بقيم ومعايير الاحترام والتراضي والتسامح والإدارة السّليمة للتنوّع الخلّاق» ..
«وعُرِّف المجتمع بأ نّه ميدان وحيِّز يتكوّن من فعاليّة أناس يتمتّعون بحرِّيّة الانتخاب ، ويمارسون هذه الحرِّيّة في إطار القانون والقواعد العامّة ، وبشكل مستقل عن إرادة وقرار السّلطة السياسية أو الحاكم».
اما مدرسة لندن التابعة للمركز الاقتصادي للمجتمع المدني : يشير الى ان المجتمع المدني هو ميدان العمل الجماعي غير الاجباري، المتعلق بالمصالح والاغراض والقيم المشتركة. ونظريا، فان اشكاله المؤسساتية تختلف عن تلك التابعة للدولة والعائلة والسوق. مع ان الحدود التطبيقية الفاصلة بين الدولة والمجتمع المدني والعائلة والسوق معقدة وغير واضحة المعالم وخاضعة للنقاش في اغلبها .

وعرّف آخرون المجتمع المدنيّ بأ نّه : «كلّ المؤسّسـات التي تنتج للأفراد التمكّن من الخيرات والمنافع العامّة ، دون تدخّل ، أو توسّط من الحكومة»[3].
وعُرِّف أيضاً بما يأتي : «المجتمع المدنيّ هو النّسق السياسي المتطوِّر الّذي تتيح صيرورة تمأسسه (تمفصله في مؤسّسات) مراقبة المشاركة السياسية».

بينما يري الدكتور رجب بودبوس أنه في الأصل ، المجتمع المدني هو مجتمع بشر ، وقد خرجوا من الحالية البدائية الطبيعية، حيث لم يكن فيها للإنسان دور كبير ، إلى الحالة الإنسانية ، أي صار المجتمع تنظيما إنسانيا ، وضعيا ، ليس فيه للطبيعة دور مهم . وهو هكذا يشمل ويستوعب كل العلاقات والنظم والمؤسسات التي تنشأ بين أفراد المجتمع ، عن وعي وقصد واتفاق ، بما في ذلك وعلى الأخص العلاقات السياسية والقانونية ، المجتمع المدني على هذا النحو أساساً سياسي ، والدولة من أهم ظواهره ، وإذا كان المجتمع المدني ، في مدلوله ، أوسع وأشمل من الدولة ، المعروفة حتى الآن ، بمعنى أنه لا يقتصر على العلاقات السياسية والمؤسسات الرسمية ويعطي لمبادرات الأفراد إمكانية التعبير عن نفسها، إلا أن الدولة جزء مهم من المجتمع المدني ، الذي يتعلق بمجموع مواطني الدولة الواحدة ، وما ينشأ بينهم من علاقات ليست فقط سياسية ، وغير ذات سمة رسمية[1][2] .

وقد بلغت مفردة " المجتمع المدني " من الذيوع و الانتشار حدا باتت فيه ملتبسة في أذهان الكثيرين ، حيث قال الاستاذ آدم سليجمان ، أستاذ في قسم الأديان ، في جامعة بوسطن الأمريكية و مؤلف كتاب عن فكرة المجتمع المدني ، إذا أردت أن تشرح شيئا غامضا ضعه تحت مفهوم المجتمع المدني !

لهذا ليس غريبا أن ترى الأمم المتحدة و البنك الدولي في بعض تقاريرهما المتفائلة ان " المجتمع المدني " قد يكون الحل السحري للرشادة و الحكم الصالح و القضاء على الفقر و التخلف ، بل إن فكرة المجتمع المدني كانت ملهمة للمحافظين الجدد و حلفائهم ليشنوا الحرب في العراق و افغانستان حسب مايكل أدواردز مدير مؤسسة فورد الأمريكية و صاحب كتاب متداول عن المجتمع المدني[4] .

أدوار المجتمع المدني ... بين الثبات و التغير

لقد تمت الإشارة إلى أن ظهور مفهوم "المجتمع المدني" كان متزامنا مع نشوء الدولة القومية ونمو الرأسمالية التجارية الماركانتالية ، وتمحور، آنذاك، حول مفهوم "المجتمع البرجوازي " كما عند (هيجل وماركس). لكنه المفهوم اكتسب مدلولات جديدة مع تطور الدولة الحديثة، والتحولات في النظام الدولي، وتأثيرات العولمة الاقتصادية (الرأسمالية) والثورة في الاتصالات ونظم المعلومات. واكتسب المفهوم بعدا أيديولوجيا لربطه بالحركات التي شهدتها بلدان أوروبا الشرقية، في عقد الثمانينات، والتي توجهت نحو تقليص سيطرة الدولة على الاقتصاد والتشكيلات السياسية والحركات الاجتماعية والنقابات والاتحادات النقابية والمهنية.[5]

وقد فصلت الدولة ، من خلال فلسفة الليبرالية ، منذ نشأتها ، بين المواطن والعامل ، المواطن اختصاص الدولة بينما العامل اختصاص مجتمع السوق ، بالرغم من أن المواطن هو العامل واليوم تميزت الازدواجية في المواطن نفسه ، الذي ينقسم إلى مواطن سياسي ، وهو مجال الدولة ، ومواطن مدني ، عضو المجتمع المدني .

إن ظهور المجتمع المدني ، في مفهومه الجديد يشترط[3] :

1- أن الدولة لا تكون شمولية ، أي لا تشمل كل العلاقات التي تنشأ بين أفراد المجتمع –المواطنين .

2- أن يقتصر مجال الدولة ومؤسساتها على العلاقات السياسية وحدها .

3- أن مشاركة المواطنين في المجتمع السياسي تكون محدودة نوعاً ومحددة زمناً ، تقتصر على انتخاب قيادات الدولة وتفويضهم .

وبعد انهيار المعسكر الاشتراكي والاتحاد السوفيتي منح المفهوم بعدا "تنمويا" من خلال منظمات الأمم المتحدة والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي. فقد باتت هذه تنظر إلى "المجتمع المدني" باعتباره المجال الذي يتيح إشراك المواطنين في "التنمية البشرية المستدامة" بعد أن فشلت التنمية في التحقق في معظم دول العالم الثالث. وكان الدافع وراء إعطاء موقع خاص للمجتمع المدني في عملية "التنمية البشرية" تبني سياسة الخصخصة و"التكييف الهيكلي" – في إطار سيادة اقتصاد السوقباعتبارها الأنجع للتنمية الاقتصادية. ومنح هذا بعدا جديدا لمفهوم "المجتمع المدني". فهذه السياسية التي روجت لها المؤسسات المالية الدولية، وخطاب "اللبرالية الجديدة" ركزت على حصر دور الدولة في تهيئة بيئة قانونية وبنية تحتية ملائمة لنمو القطاع الخاص باعتباره أداة التنمية الأساسية، مع توفير حد أدنى، من المشاركة والتنسيق مع منظمات المجتمع المدني، من الرعاية الاجتماعية لأفقر الفقراء (ما يعرف بشبكات الحماية الاجتماعية). ودخلت لاحقا مفردات جديدة على خطاب التنمية خصت بالأساس منظمات المجتمع المدني كالمشاركة والتمكين. لقد منح المجتمع المدني وظيفة حماية الفرد من عسف الدولة وسطوتها. أي منح بعدا واقيا وحاميا للفرد من تدخلات الدولة وتجاوزاتها[6].

وبات دور المجتمع المدني متغيرا على الدوام في الأدبيات التنموية تولي وظيفة باتت شاغرة بعد انسحاب الدولة عن مهمة الاستجابة لاشباع الحاجات الأساسية للمواطنين، بحكم عمليات الخصخصة وسياسة "التكييف البنيوي" وأيديولوجية الليبرالية الجديدة. هذا هو مصدر الحرص على استقلالية "منظمات المجتمع المدني" عن الدولة وعن القطاع الخاص باعتبارها تشكيلات لا تقوم على مبدأ الربح. وهذا هو أساس التعاطي معها كآليات لتوزيع وتخصيص موارد في المجتمع مختلفة ومستقلة عن كل من الدولة ومؤسسات اقتصاد السوق. وهو سر التركيز على دعم المنظمات غير الحكومية التي تقدم خدمات (صحية، وزراعية، وتدريبية وما شابهها)، والاهتمام بالمنظمات الدعاوية المتوجهة إلى التثقيف بالديمقراطية وحقوق الإنسان, وهو سبب إغفال منظمات المجتمع المدني المهتمة بتنظيم الناس وتأطيرهم كالأحزاب السياسية، والنقابات والحركات الاجتماعية ذات الجذور. وهو وراء اختزال المجتمع المدني إلى منظمات غير حكومية يرمز لها بـ ONG . ، التي حرصت المؤسسات التمويلية الدولية " كالبنك الدولي" أن تنفذ بعض حزم ما يسمى برامج الاصلاح الاقتصادي الهيكلي من خلالها ، وهو ما ساهم عمليا في هذا التوالد و التكاثر للجمعيات و المنظمات غير الحكومية في دول العجز الاقتصادي العالم ثالثية التي فهمت اللعبة تماما وباتت تحرص على الترخيص بالآلاف أحيانا لمنح أوصال ا لاعتراف بهذه المنظمات للإيحاء بوجود مجتمع مدني قوي و نشيط فيها على غرار الحال في مجتمعات الدول المتقدمة ، وهكذا تزايدت هذه المنظمات كالفطريات دون ضوابط جدية و حاجات اجتماعية حقيقية ، فأصبحت هي في ذاتها جزء من المشكلة و ليست عاملا مساعدا على الحل .

و ربما ما يميز منظمات المجتمع المدني ، بشكل عام أو هكذا يفترض بحسب أحوال المجتمع المدني في الغرب ، عن مؤسسات الدولة أو مؤسسات اقتصاد السوق (شركات، مصانع، ورش، بنوك، مطاعم، مشاريع خدماتية مختلفة، وما شابه هو طبيعة العلاقة التي تقيمها مع جمهورها. وهي علاقة تفترض امتلاك هذه المنظمات ليس مجرد درجة عالية من الاستقلالية في إدارة شؤونها وفي صياغة خططها ونشاطاتها وفي محرك علاقتها مع الجمهور (فهذه الاستقلالية قد تكون متوفرة في مؤسسات القطاعين الخاص والعام)، بل تتمايز في شكل ومضمون العلاقة التي تقيمها مع جمهورها. ولا تتعامل معه من موقع العلاقة بين المؤسسة والفرد وفق إجراءات وقوانين وقواعد مقننة (كما يفترض أن تتعامل معه الدولة). بل تتعامل معه بالأساس كجمهور مكون من فئات متباينة المصالح والاهتمامات والاحتياجات والتكوين (من حيث الجنس والعمر)، من موقع تمثيل هذه المصالح ، ومن موقع الحرص على إشراك الجمهور في تنظيم نفسه وفي الدفاع عن حقوقه الجمهور ورعاية احتياجاته الخاصة..

ويشرّع استقلالية المنظمات المدنية في إدارة شؤونها الداخلية وصياغة برامجها وخطط عملها القوانين مشرّعة. وهذه القوانين تحددها موازين قوى اجتماعية وسياسية، وتتأثر بعوامل إقليمية ودولية. ويحدد مضمونها وتطبيقاتها كقوانين حامية للحريات العامة ديمقراطية النظام السياسي، والقوة التفاوضية لمنظمات المجتمع المدني الرئيسة، والتي تحددها فعالية واتساع القاعدة الجماهيرية لهذه المنظمات وطبيعة العلاقة التي تقيمها معها (قدرتها التعبوية). فبعض منظمات المجتمع المدني - في مجال العمل السياسي الحزبي، على سبيل المثال - قد يحظر عليه النشاط العلني. وفي هذه الحالة يتحدد تأثير مثل هذه المنظمات وفعاليتها بمدى تأييدها ودعمها من الجمهور، ودرجة القمع الذي تتعرض له من السلطة المركزية أو السلطة المهيمنة (وطنية كانت أم أجنبية). ومن الواضح أن قدرة منظمات المجتمع المدني على التواصل والتجدد مرتبطة، من بين عوامل أخرى، بقدرتها على تلبية حاجات وتطلعات اجتماعية وبقدرتها على تمثيل مصالح فئات اجتماعية ودورها التعبوي والتنظيمي.كما تتصل بقدرتها على حشد الموارد الضرورية لمواصلة وتوسيع نشاطها. ويمكن القول أن منظمات المجتمع المدني تستمد مبرر وجودها وشرعيتها، بالأساس،من علاقتها الخاصة بجمهورها وعلاقته بها، وشكل هذه العلاقة التي قد تستند إلى ما توفره من خدمات مادية أو تأهيلية، أو إلى قدراتها التنظيمية والتعبوية في الدفاع عن حقوق ومصالح هذا الجمهور، وإلى فعالية نشاطها السياسي أو الاجتماعي أو الفكري أو الثقافي.

من هنا يمكن القول أن ما يميز، وإن بشكل عام جدا، منظمات المجتمع المدني، بتنوعها الشديد، عن مؤسسات الدولة (التنفيذية والتشريعية والقضائية) يتمحور حول طبيعة نشاطها، وما يفرزه من أنماط تنظيمية متنوعة. فالعلاقة بين المواطن والدولة الوطنية العصرية هي علاقة تعاقدية، مقننة، عادة، في دستور أو قوانين أساسية، تتجسد في واجبات محددة (دفع ضرائب، خدمة وطنية، احترام القانون…). كما تتجسد في حقوق (حق التنظيم والتعبير عن الرأي والمعتقد، والوصول إلى خدمات أساسية، الخ).

وتتمايز علاقات المنظمات المدنية مع الجمهور عن علاقته بالمؤسسات الاقتصادية والمالية المرتبطة بآليات السوق الرأسمالي والقائمة على الربح وإنتاج سلع وخدمات مختلفة موجهة للسوق، فهذه المؤسسات (مؤسسات القطاع الخاص) تتعامل معه كمستهلك أو كموظف أو أجير، أو في أحسن الأحوال كمستثمر. فمحرك عمل وهدف منظمات المجتمع المدني ليس الربح أو تطوير آليات السوق الرأسمالي. فهو محرك يتحدد وفق تنوع منظمات المجتمع المدني (عمل الخير، الإغاثة، التنمية، التأهيل، التنوير، الرعاية، التضامن الاجتماعي، التغيير الاجتماعي والسياسي والاقتصادي …). أي أن مجالات منظمات المجتمع المدني هي تلك المجالات التي لا تخضع لإدارة وتوجيه مؤسسات الدولة وتنظيمها، وتعتمد إدارات مستقلة يخضع دورها وأشخاصها وبرامجها وخططها، نظريا على الأقل، لموافقة وتوجهات ومساءلة الأعضاء والجمهور المعني. كما لا تخضع نشاطاتها لاعتبارات وآليات السوق، وإن كانت غير معزولة عنه. ولعل هذا الاعتبار كان وراء اعتبار المجتمع المدني، عند مفكرين مثل غرامشي، المجال الذي يجري فيه الصراع على الهيمنة القائمة على الاقتناع وليس على السيطرة.

يمكن النظر إلى منظمات المجتمع المدني (والأهلي) من منظور وظائفي. أي من حيث ما قد توفره من حماية إزاء تعسف أو تجاوزات السلطة المركزية، وكذلك إزاء ما تفرزه آليات السوق الرأسمالي من استثناء ولامساواة وتهميش. لكن من وظائف منظمات المجتمع المدني أن توفر الحماية للفرد ضد عسف أو قمع أو تجاوزات بعضها البعض بما في ذلك تعسف المنظمات الأرثية (العشائرية والطائفية والمحلية). وتجدر الإشارة هنا أن من وظائف الدولة الديمقراطية توفير الحماية للمواطن من تجاوزات لحقوقه قد تقوم بعض منظمات المجتمع المدني أو الأهلي .

لقد تنامي الاهتمام بالمنظمات المدنية باعتبارها وسائط للتنمية في العقدين السابقين . وترافق ظهور هذه توجه المؤسسات الاقتصادية والمالية الدولية (البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، ..) نحو الخصخصة، والتكييف الهيكلي وتقليص دور الدولة الاقتصادي في إطار تهيئة المناخ ا لنمو القطاع الخاص، وتقليص خدمات الدولة الاجتماعية للمواطنين. ومن هنا بات ينظر إلى المنظمات الأهلية كوسائط للتنمية المحلية وتولي وظائف "دولة الرعاية"في مجال توفير خدمات أساسية للمواطنين. وتم تسويغ هذا التوجه عبر مقولة أن حرية تشكيل منظمات مدنية هي صلب حقوق الإنسان. واعتبار أن هذا الحق يتجسد في تشكيل الروابط والمنظمات والمؤسسات الهادفة إلى تحسين مستويات المعيشة، والمطالبة بتنفيذ برامج وخطط وقوانين معينة، والدفاع عن مصالح وحقوق الفئات الاجتماعية المختلفة. ومن هنا فكرة مشاركة الحكومة والقطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني ( القطاعات الثلاثة) في عمليات التنمية. ونجد في هذه التوجهات تفسير الاهتمام الدولي (الغربي الحكومي والمدني المحلي) في تشجيع وتمويل العديد من المنظمات غير الحكومية في دول العالم الثالث، بما فيها العالم العربي، باعتبارها أقل عرضة للفساد والهدر من المؤسسات الحكومية وأقدر على الضغط على هذه ومراقبتها. ويترتب على التمويل الخارجي لقطاع من المنظمات المدنية تساؤلات تتعلق بتأثير "أجندا" الجهات المانحة على برامج المنظمات المدنية المستقبلة، كما على قدرتها على إدامة نفسها، وعلى التمتع باستقلالية برنامجية ومالية.

يعمل البنك الدولي على تعزيز مشاركته مع المجتمع المدني منذ عام 1981، عندما اعتمد مجلس مديريه التنفيذيين أول مذكرة لسياسة العمليات بشأن العلاقات مع المنظمات غير الحكومية. وفي مطلع الثمانينيات من القرن الماضي، قامت منظماتٌ دوليةٌ غيرُ حكوميةٍ بارزةٌ بالاشتراك مع البنكُ الدولي بإنشاء "لجنة المنظمات غير الحكومية والبنك الدولي"، التي عقدت اجتماعات دورية لمناقشة سياسات البنك الدولي وبرامجه ومشروعاته. ومنذ ذلك الحين، أعد البنك الدولي العديد من الدراسات، وشجع الحواراتِ المشتركةَ فيما بينه وبين المجتمع المدني، واعتمد سياساتٍ موجهة نحو تشجيع زيادة المشاركة[7].

هذا التركيز الأكبر على الحاجة إلى التواصل مع المجتمع المدني انعكس فيما لا يقل عن 15 من سياسات عمليات البنك أو المنشورات التوجيهية للموظفين مثل المرجع الأساسي للتشاور مع المجتمع المدني*، وإطار التنمية الشامل (CDF)، وعمليات إعداد وثيقة استراتيجية تخفيض أعداد الفقراء (PRSP)*. كما أن فوائد التعاون مع منظمات المجتمع المدني يساندها أيضا عدد من دراسات البنك على مدى السنوات العشر الماضية وفي عهد أقرب دراسة القضايا والخيارات الخاصة بتحسين التعاون بين البنك الدولي ومنظمات المجتمع المدني – التعاون بين البنك الدولي والمجتمع المدني: استعراض السنتين الماليتين 2005-2006.

وقد تعززت علاقات البنك الدولي بالمجتمع المدني من حيث نطاقها ونوعيتها بدرجة كبيرة في منتصف التسعينيات من القرن الماضي، وذلك مع اعتماد خطط عمل لإتاحة المشاركة في عمليات البنك الدولي على مستوى مناطق عمله والتعاقد مع أخصائيين في شؤون المجتمع المدني للعمل في مكاتب البنك الدولي في أنحاء العالم. ومنذ ذلك الحين، تحققت زيادةٌ كبيرة في مستوى التفاعل والتعاون بين البنك الدولي ومجموعة واسعةٍ النطاق من منظمات المجتمع المدني في مختلف أنحاء العالم، بما في ذلك فئات المجتمعات المحلية، والمنظمات غير الحكومية، والنقابات العمالية، والمنظمات الدينية، والرابطات المهنية، والجامعات.

وانعكاساً لهذا التقدير المتزايد لدور المجتمع المدني في عملية التنمية ، ارتفعت نسبة المشاركة المخططة لمنظمات المجتمع المدني في المشروعات التي يمولها البنك الدولي باطراد على مدى سنوات العقد المنصرم، وذلك من 21% من إجمالي المشروعات في السنة المالية 1990 إلى ما يُقدر بنحو 72% في السنة المالية 2003. وبما أن منظمات المجتمع المدني أصبحت جهاتٍ تتمتع بقدر أكبر من النفوذ في السياسات العامة وجهود التنمية، فإن المبرر المنطقي لإستراتيجية البنك الدولي الرامية إلى إشراك المجتمع المدني ما زال يزداد قوة، وأصبحت تلك المشاركة من الأمور المتعارف عليها كجزءٍ لا يتجزأ من أية إستراتيجية مؤسسية فعالة لتخفيض أعداد الفقراء وتحقيق الأهداف الإنمائية للألفية الجديدة [4] .

ويعني ذلك أن المجتمع المدني أصبح من ضمن وسائل تنفيذ السياسات الكونية لمؤسسات بريتون وودز ، لهذا لا غرو أن يفسح المجال أمام الشعارات الجميلة المبشرة بفعالية و قوة المجتمع المدني في مستقبل التنمية في البلدان النامية .

و تجدر الإشارة إلى أن المجتمع المدني في الدول الغربية ظل يموج بحراك غير مسبوق في مواجهة اتفاقيات التجارة الدولية و قد سبب إرباكا شديدا لاجتماعات الكبار في سياتل و جنوة و دافوس و أماكن أخري عديدة ، و اصبح مصدر قلق دائم نظرا لقوة المجتمع المدني العالمي ( و الغربي منه بالأساس) حيث يطرح مشاكل البيئة و الاحتباس الحراري و مسوؤلية الاقتصادات الكبيرة عن ذلك كله ، وضرورة تحمل المسؤولية التاريخية عن ذلك و تعويض البشرية عن الأضرار التي لحقت بالوسط البيئي الذي بات مهددا في وكل وقت وحين جراء تلك السياسات التدميرية الشاملة .

و في الختام ،،

فإن المفهوم الليبرالي للمجتمع المدني يراد له التعميم على مستوي العالم ، ربما بعد نهاية التاريخ ، و لهذا يتم تجنيد البنك الدولي و باقي المؤسسات الأخري للترويج له ضمن برامج و سياسات تحمل سمات عالمية ، و بالطبع فإن دول العالم النامي يراد لها أن تستنبت فكرة المجتمع المدني لديها بالرغم من ظروفها الموسومة بالتخلف و من ملامحه ضعف التعليم أو انتشار الأمية سواء كانت الأمية متمثلة في عدم القدرة على القراءة و الكتابة أو الأمية المتصلة بالمعرفة والإدراك ، و باتت تقارير التنمية البشرية تدرج المجتمع المدني ضمن رؤيتها للمشكلة و الحل .. فهل من معترض على المفهوم الليبرالي للمجتمع المدني أم لا .

* مقال منشور في مجلة الزحف الاخضر الليبية . و اعيد نشره في عدة مواقع الكترونية موريتانية مثل صحراء ميديا ، و مورينيوز ، و الحرية ، و الحصاد ، و غيرها

المصادر :



[1] From Wikipedia, the free encyclopedia

[2] Op.cit

[4] Michael Edwards :”Civil Society cover CIVIL SOCIETY. Polity Press 2004 p 15

[5] جميل هلال :" حول اشكاليات مفهوم المجتمع المدني " ، مداخلة في ندوة عن المجتمع المدني في بيروت لبنان – نوفمبر 2004 http://www.boell-meo.org/ar/web/219.html

[6] Jean joseph regent note introductive de societe civile “ juin 3005 article publier sur le net :

[7] //web.worldbank.org/WBSITE/EXTERNAL/EXTARABICHOME/EXTTOPICSARABIC/EXTCSOARABIC/



[1] رجب بودبوس : المجتمع المدني لماذا ، محاضرة في المركز العالمي لدراسات و أبحاث الكتاب الأخضر في 19-01-2004 طرابلس

[3] المرجع نفسه

[4] يمكن مراجعة تقارير التنمية البشرية في العالم للسنوات 2006-2008


 
Design by Free WordPress Themes | Bloggerized by Lasantha - Premium Blogger Themes | Hostgator Discount Code تعريب بلوغر ـ تطوير وتنسيق : yahya