31 مارس 2008

في موريتانيا .. تمحّل نخبة ... أم تجذير للعسكريتارية

يموج الواقع السياسي الموريتاني هذه الأيام ، بل وغير بعيد عن تداعيات المحاولة الانقلابية في يومي 8-9/يونيو الفارط ، بالكثير من تجليات المد والجزر ، وأمارات عدم العافية السياسية والاقتصادية والاجتماعية .. حيث يولّي الموريتانيون وجوههم شطر يوم معلوم هو يوم السابع من نوفمبر.... وما أدراك ما السابع من نوفمبر؟؟؟!!
إنه يكاد يكون مناسبة " مغاربية" (مع الاعتذار لمؤسسة الاتحاد المغاربي التي تعيش هنيئا في مناخ صقيعي منذ حين)!!..
أجل إن السابع من نوفمبر هو ذكري مغاربية بحق ، حيث يوافق ما يسميه اخوتنا في تونس حلول ذكرى " عهد التحول" التي وصل فيها الرئيس زين العابدين بن علي سدة الحكم في بلاده..
كما أنها- وهذا حجر الزاوية الآن- هو الموعد الذي ارتأي فيه معاوية ولد الطايع إجراء "انتخابات"لخلافة ذاته وموضوعه!!
وفوق ذلك ومعه فإن الدلالة الكبري للسابع من نوفمبر من وجهة نظرنا المتواضعة ، هو أنه أصبح " فتنة كبري" وُسوسَ بها لدى الموريتانيين ، وتكاد تشبه واقع المسلمين قبل 14 قرنا من الزمان ، حين حلّت بهم الفتنة الكبري الشهيرة في التاريخ الإسلامي بعد مقتل الخليفة الثالث عثمان بن عفان (ر) ، مع فارق التشبيه بطبيعة الحال.. إنه فتنة لكونه – أولا- فتن فرعون وقارون وهامان و " الجنود"!.. وذلك بنفس القدر الذي فتن به الملأ من الناس بمن فيهم المستضعفين من الرجال والنساء والولدان.
ولكونه – ثانيا- أماط الظلال الكثيفة عن حجم الفرق والمذاهب السياسية والاجتماعية ، التي لو كان المؤرخ الشهرستاني بيننا الآن لأعاد النظر في مؤلفه الشهير " الملل والنحل " ، وربما لأضاف عليه بعض " الملل" و " النحل" التي ظهر أن البلاد السائبة تعجّ بها على نحو مثير للاهتمام والفضول في آن معا!
ونحاول في هذه العجالة الوقوف عند بعض القضايا ذات العلاقة بدور النخبة الوطنية المفترض في مفترق الطرق الحالي الذي تقف عنده موريتانيا في إحدى اللحظات التاريخية الفاصلة التي ربما لا تحسن النخبة الموريتانية إدراك أبعادها ومضامينها ومتطلباتها فتحيد بالتالي عن الاصطفاف للدور المفترض لها وبها أن تلعبه بجدارة واستحقاق..
وقبل الغوص في التفاصيل فإن المنهجية العلمية البحته تطالبنا بتحديد ما نعنيه بالنخبة ، وكذلك العسكريتارية ، وهما نقاط الارتكاز الرئيسية الذين تتمحور حولهما هذه المعالجة التحليلية.
إنما نقصده بالنخبة ليس تلك المعاني الدارجة لها في الأدب السياسي ، والتي تصنفها ضمن مرادفات : الطليعة المثقفة ، أو الانتلجنسيا الفكرية.. الخ ، بل إننا نتوسع في المفهوم ليشمل كافة الأحزاب والفعاليات السياسية والاجتماعية والثقافية ، التي تتمتع بحكم طبيعتها الخاصة بقدرتها على تحليل معطيات الواقع بموضوعية وتجرد ، يمكنانها من اتخاذ المواقف الصحيحة وفي الأوقات الصعبة.
أما العسكريتارية ، فإننا نصف بها كل دعاية إلي أن يكون للجيش و رجالاته اليد الطولي في تقرير مصير البلد ، تحت أية ذرائع أو مسوغات.
إن النخبة بذلك المعني المشار إليه آنفا تجد إطارها الحقيقي ودورها الطبيعي في قيادة المجتمع وتنويره وتثوير رأيه العام ودعوته دعوة حارة و صادقة ومخلصةً لدراسة واقعه وتشخيصه ، والمشاركة الشعبية الجماعية في تغييره دون نيابة أو وصاية أو تمثيل حتى ولو كان من النخبة نفسها .
فهل كان ذلك هو الدور الذي قامت به النخبة الموريتانية في مواجهة قضايا شعبها؟؟..
نعتقد ببساطة وبدون مقدمات أن الجواب على ذلك السؤال الكبير لن يكون أكثر من النفي الأكيد.. وقد يسوق المرء من تاريخ موريتانيا الحديث (منذ الاستقلال مثلا) الكثير من الأمثلة والوقائع الداعمة لذلك الرأي... إلا أنه لضرورات الاختصار المفيد نشير فقط إلى ما يسمي " تجاوزًا" بالمسار الديمقراطي، الذي مضي عليه أزيد من عقد من الزمان.. وهو المسار الذي أثبت أن النخبة الموريتانية لم تقم بدورها "المثالي" المفترض في تصحيح خطوات ذلك المسار من البداية في ما يسمي دستور الـ 20 يوليو ، الذي جاء وفقا لمزاج العسكريتارية ، وقدمته النخبة الموريتانية إلى جماهيرها المستغفلة لتخدعها في رابعة النهار من أجل تمريره والتصويت عليه بـ:" نعم".. وذلك بدلاً من المطالبة الجادة بتصحيح بدايات المسار الأعوج، وشرط صلاح النهايات هو تصحيح البدايات كما يقال في التراث! .
لأن الدستور المذكور انطوي على بذرة الدكتاتورية المؤبدة من البداية حين لم ينص على تقييد فترة تولي الرئاسة بمريتن علي الأكثر ، كما تفعل الديمقراطيات التقليدية في العالم ، وعلى نحوٍ مطبق لدي جيراننا الجنوبيين (مالي ، السنغال) حتى لا نقول عند أصدقاء موريتانيا الجديدة من بني صهيون!!
وكان الأولي بالنخبة الموريتانية أن تطالب بتعديل الدستور وحبره لم يجفَّ بعدُ .. بدلاً من الدعاية " الرخيصة" له، وهو الذي يكرس الفردانية المطلقة والأحادية المقيتة . ولقد أدّي ذلك السكوت المريب من النخبة الموريتانية أن كذبت على نفسها وخانت جماهيرها ، وجذّرت جرثومة الفشل التي بدأ ت تؤتى أكُلها كلّ حين على مدي ثلاثة عشرة سنة من السنين العجاف الطوال!
وهكذا بنت النخبةُ الموريتانية الأساسَ الباطل المهترئ الذي تعيشت عليه ومنه العسكريتارية ، وهي التي أجهضت جهود البناء الحديث للدولة والمجتمع حين سرقت السلطة عسكريا في 10 يوليو 1978 حتى الآن.
وهكذا أيضا يكون كلّ حديثٍ بعد ذلك كله عن تشكيل "الأحزاب – الشخوص" وزرع الجواسيس والمرتزقة والمرجفين داخلها لتشويشها وتفكيكها وضربها وحلّها عنوةً بقوة قانون العسكريتارية.!!..
وكلّ حديث عن حرية الإعلام والصحافة المكذوبة ، وحرية توزيع رخص النشر ومحاصرتها بالرشوة والمحسوبية ، ومصادرتها بقوة قانون تنظيم الصحافة العسكريتاري تعززه أمزجة القصر ودخلائه و مادته سيئة الصيت رقم 11!!!....
وكلّ حديث عن " استحقاقات " وهمية لامعني وقيمة لها سواء كانت رئاسية أو تشريعية زائفة ومزيفة لزيف الأداة والوسيلة والهدف!.. وكلّ حديث عن " انجازات جبارة" تدعيها الحكومة العسكريتارية ، أو " انتكاسات فظيعة" تشير إليها المعارضة الوطنية ...
كلُّ حديث من تلك الأحاديث لا لزوم له على الإطلاق وليس إلا نفخًا في قربة مثقوبة وجهدًا ضائعا ومضيعا لاهدف حقيقيا يرجي من ورائه. بدليل أن الاحتقان الداخلي على جميع الصُّعد تفاقم في محصلة الأمر واستمرت الاخفاقات تتوالي سياسيا واقتصاديا واجتماعيا حتى دفعت إلى الانقلاب الشهير.. وبدلاً من أخذ العبرة والتفكير الرزين ألف مرة ومرة في عواقب السياسات " الدونكيشوتية" التي ينهجها نظام العسكريتارية الموريتاني ، فإن كل المؤشرات تشي بأن لا جديد تحت الشمس بل هناك استمرار للبحث عن طريقة إخراج واهية جديدة للسفسطة مع محاربة كل ما يشير إلى التغيير الحقيقي بإعلان الرئيس العقيد ترشيح نفسه ، وكذلك هذه الكرنفالات المقززة التي يقوم بها الأعوان والمدراء لتخدير الجماهير والضحك عليها مليون مرة(سياسة التدشينات هذه الأيام) هذا فيما يخص العسكريتارية!
أما فيما يخص النخبة الموريتانية وفي مقدمتها ما يسمي استعارةً بـ:"أحزاب المعارضة" فإنها بعجزها عن قتل روح الأنانية السياسية، بدليل عدم قدرتها على توحيد مرشحها لفتنة السابع من نوفمبر.. فإنها تكون قد نسيت كل الدروس التي ألقيت عليها منذ 1978 حتى الآن.
وهكذا نجدها قد انقسمت شرّ ممزق وبدت مثالاً نموذجيًا لما يسميه الفرنسيون بظاهرة " الترحال السياسي"، حيث تشهد مختلف الأحزاب حالات الحل والترحال منها واليها .. وظهر أن أولئك الأشخاص الرحالة السياسيون هم أشبه ما يكونون بـ:"أصحاب الأمزجة السياسية المتقلبة" ، وأبعد ما يكونون عن "أصحاب المبادئ السياسية الثابتة"!!
وقد استووا في ذلك كلهم دون استثناء بدايةً بالإسلاميين ، ومرورًا بالقوميين العرب وتشكيلاتهم ، واللجان الثورية ، وانتهاءًا برجالات الحر ، وكذا أجيال الكادحين كالوطنيين الديمقراطيين ، أو " ليبرالييهم" المحدثين بعد أن أفَلَتْ الشيوعية ، وتلألأ نجمُ الليبرالية ، وانتهي التاريخ بحسب فوكوياما!
و قد يكون أصدق تصوير لحالة الاضطراب السياسي الذي تعيشه النخبة الموريتانية ، هو ما يشير إليه الشاعر العربي حين يقول:
والعين قادحة، واليد سابحة والــــــ ـرجل صارخة ، واللون غربيبُ
إنما تقوم به النخبة الموريتانية في خضم تداعيات فتنة السابع من نوفمبر القادمة هو كذب ونفاق وخيانة لجماهيرها ، وبالتالي لا يكون من الافتئات على الحقيقة في شيء وصمها بــ:"التّمحُل" .. كما أنه يخدم – ولو عن جهل- استمرار نهج العسكريتارية في ركوبه لمصير موريتانيا ومستقبلها . ولقد ظلت الجيوش " الوطنية" في كثير من الحالات " وطنيةً ً" حتى النخاع تتدخل في السياسة حين تنحرف الأمور عن مسارها ، وذلك للعودة بالأوضاع إلى سكة الصواب.. وغير ذلك فإن الجيوش الوطنية "مرابطة" في ثكناتها على الثغور دفاعًا عن الأهل والعرض والأرض فقط لا غير.أما أن يغدو " رجل الجيش" هو أملُ التغيير و "المهدي السياسي المنتظر" .. وتجد مثل تلك الأصوات رجعاً قويا لها و " صدًى" لدى النخبة الوطنية ، فإنها تستحيل عندئذ إلى "لاشيئ" ...إلى " فراغ" .. حيث لا ينتشر الصدى إلا في الفراغ .. فهل يعلمون؟؟!
نشر المقال في جريدة الراية انفو يوم 11 اكتوبر .. في خضم الانتخابات الرئاسية التي نظمت في نوفمبر 2003 بعد محاولة انقلاب 8 و 9 يونيو 2003 .

0 التعليقات:

 
Design by Free WordPress Themes | Bloggerized by Lasantha - Premium Blogger Themes | Hostgator Discount Code تعريب بلوغر ـ تطوير وتنسيق : yahya